إليه النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فجاءَ فقال له: "أنت أعلمُ اليهود؟ " قال: كذلك يزعمون، قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اجعلوه بيني وبينكم"، قالوا: قد رضينا بما رضيت، فقال له: "فإنِّي أنشُدك اللَّهَ الذي لا إلهَ إلا هو، إلهَ موسى وإلهَ بني إسرائيل، الذي أخرجَكم مِن مصر، وفلقَ لكم البحرَ، فأنجاكم وأغرقَ آل فرعون، وأنزلَ عليكم كتابًا فيه حلالُه وحرامه، وظلَّل عليكم الغمامَ، وأنزلَ عليكم المنَّ والسَّلوى، هل وجدتُم في كتابكم الرَّجم على مَن أحصِن؟ " قال: نعم، ولولا مخافةُ أنْ أهلِكَ إن كتمتُ أو كذبتُ، ما اعترفت لك به، فقال له قومُه (١): ما أسرعَ ما أخبرتَهُ به، فأمر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بهما فرُجِما (٢).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: فيه وجوهٌ من الدَّلائل:
أحدها: أنَّه ظهرَ بكتمانِهم الحقوقَ التي بينَهم وبين اللَّه تعالى خيانتُهم في كتمانِهم بعثَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
والثاني: إثباتُ رسالته إذ باللَّهِ عَلِمَ.
والثالث: أنَّهم لمَّا طلبوا منه الرُّخصةَ والتَّخفيفَ في الحدِّ، دلَّ أنَّهم عرَفوا أنَّه رسولٌ؛ إذ لا يُطلَبُ ذلك مِن غير الرَّسول؛ لكنَّهم عاندوا.
والرابع: جوازُ شهادة بعضِهم على بعض؛ إذ قبلَ شهادةَ ابنِ صوريا عليهم بالرَّجم (٣).
وقال الكلبيُّ: نزلَت الآيةُ في أبي لُبابة بنِعبد المنذر: وذلك لمَّا استشارَهُ بنو
(١) بعدها في (ف): "ما أسرع ما اعترفت به وقال له قومه".
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤٧٤ - ٤٧٦)، وانظر أيضًا: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٦٣ - ٦٤)، والخبر فيه دون نسبته لمقاتل. وهذا الخبر رواه ابن إسحاق كما في "سيرة ابن هشام" (١/ ٥٦٤)، ومن طريقه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٤١٤ - ٤١٥).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٣/ ٥٢٢).