وقال الحسينُ بنُ الفضلِ البَجليُّ رحمَه اللَّه: إنَّ اللَّهَ استحفظَ أهلَ الكتابِ كتابَه، فبَدَّلوا، وحفظَ القرآنَ بنفسِه فما بدلوا، قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} الحجر: ٩، وكان المعنى في ذلك أنَّه كان بعد التَّوراةِ نزولُ الإنجيل، فعرَّفَهم تبديلَ اليهودِ التَّوراة، وكان بعد الإنجيلِ نزولُ القرآن، فعرَّفهُم تبديلَ النَّصارى الإنجيلَ، ولم يكن بعد القرآنِ كتابٌ آخرَ، ولا بعد النَّبيِّ (١) نبيٌّ آخرُ يُعرِّفُهم لو وقعَ التَّحريفُ، فحفِظَهُ بنفسِه عن التَّبديل؛ ليَبقى لهم هاديًا إلى سواءِ السَّبيل.
وقوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} "من" اسمُ جنسٍ تَصلحُ للجمعِ فوحَّد الشَّرطَ لتوحيدِ لفظِه، وجمع الجزاء لاجتماعِ معناه، ومعناهُ: ومَن لم يرَ الحكمَ به ولم يعتقده.
وقال عكرمةُ: من جحدَ شيئًا مِن حدود اللَّه فقد كفر، ومن أقرَّ بها ولم يَحكُم بها فهو ظالمٌ فاسق (٢).
وقال مقاتل: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ} أهلَ خيبرَ أنْ تُخبِروهم بالرَّجم، {وَاخْشَوْنِ} إنْ كتمتمُوه (٣).
وقال الكلبيُّ: {فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ} في إظهارِ صفةِ محمَّدٍ، والعملِ بالرَّجمِ، {وَاخْشَوْنِ} في كتمانِ ذلك، {وَلَا تَشْتَرُوا} بالقرآنِ وبمحمَّدٍ عرضًا يسيرًا مِن مآكلِ الدُّنيا، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} في القرآن، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}.
وقال الضَّحَّاك رحمه اللَّه: نزلت الآيات الثلاث: {الْكَافِرُونَ} و {الظَّالِمُونَ} و {الْفَاسِقُونَ} في حقِّ اليهود (٤).
(١) قوله: "بعد النبي" من (ف).
(٢) انظر: "تفسير الثعلبي" (٤/ ٧٠).
(٣) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٤٨٠).
(٤) روى الطبري في "تفسيره" (٨/ ٤٥٧) عن الضحاك أنها في أهل الكتاب.