أنْ يَمكُثا، ثمَّ ظهرَ عليهما على إناءٍ مِن فضَّةٍ منقوشٍ، مموَّه بالذَّهب، فقال أهلُه: هذا مِن متاعِه، قالا: نعم، ولكنَّا اشتريناهُ منه، ونَسينا أن نذكرَهُ حين حلَفنا، وكرِهنا أنْ نُكذِّبَ أنفسَنا، فترافعوا إلى النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فنزلَت الآيةُ الأخرى: {فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا} الآية، فأمرَ رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- رجلين مِن أهل الميِّتِ أن يَحلِفا أنَّهما كتما، ثمَّ إنَّ تميم الدَّاريَّ أسلمَ، وبايعَ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان يقول: صدقَ اللَّه ورسوله، إنَّا أخذنا الإناء (١).
وفي رواية: اعترف تميمٌ بالخيانة قبلَ الإسلام، فقال له رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أسلِم يتجاوزِ اللَّهُ عنك ما صنَعتَ في شِركك، فأسلمَ وحسُن إسلامُه، وماتَ عديٌّ نصرانيًّا (٢).
والشيخُ الإمام أبو بكر الشَّاشيُّ القفالُ -رحمه اللَّه- يَحمِلُ الآيةَ على استحلافِهما، ويقولُ في هذه الرواية: إنَّه استحلفَهما، وكذلك في سياقِ هذه الآية: {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ}، وقوله: {أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ} قال: والشهادة في القرآن جاءت لثلاثةِ معانٍ:
للبيِّنة على دعوى المدَّعي، كما في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} البقرة: ٢٨٢ ونحوها.
وللحَلِف، قال تعالى: {قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، ثم قال: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً} المنافقون: ٢.
وللحضورِ، قال تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ}.
وتخرَّجُ (٣) الآية وتفسيرُها على قوله هذا: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ}؛ أي: حَلِفُ ما بينكم، وإذا حذَفَ {مَا}، خفَضَ {بَيْنِكُمْ} على الإضافةِ، كقوله تعالى: {قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} الكهف: ٧٨.
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٨٩ - ٩٠).
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٥١٤).
(٣) في (ف): "وتخريج".