وقال مقاتل: نزلَت في الحارثِ بنِ عامر بنِ نوفلَ بن عبد مناف بن قصي، كان يُكذِّبُ النَّبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في العلانية، فإذا خلا به مع أهل بيته (١) قال: ما محمَّدٌ مِن أهل الكذب، ولا أحسبُه إلَّا صادقًا، وقال للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: إنَّا لنَعلمُ أنَّ الذي تَقولُهُ حقٌّ، وإنَّه لا يَمنعُنا أن نتَّبع الهُدى معك إلَّا المخافةُ مِن أنْ يتخطَّفنا النَّاسُ مِن أرضِنا، فنزلَت الآيةُ (٢).
وقال الحسنُ رحمه اللَّه: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ} بأنَّ اللَّهَ ليس بخالقهم ولا برازقِهم، ولكنَّ المشركين بدينِ اللَّه الإسلامِ يَجحدون.
وقال الضَّحَّاك: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}؛ أي: لا يُمكنهم إثباتُ الكذبِ عليك، ولا يَقدِرون ألَّا يكونَ الرَّسولُ رسولًا، وعلى ألَّا يكونَ القرآنُ قرآنًا، وإنَّما يُكذِّبونَك بألسنتِهم (٣).
وفي تفسير مالك بن سليمان: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ}؛ يعني: المؤمنين، {وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ}؛ أي: الكافرين {بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}، وهو نظيرُ قوله: {فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ} الأنعام: ٨٩.
وقيل: أي: فإنَّ الكفَّار لا يُكذِّبونكَ بحُجَّةٍ، فلا تَعتدَّ بتكذيبِهم؛ فإنَّه لا حقيقةَ له، وهو كنَفي الرَّمي في قوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} الأنفال: ١٧.
وقيل: أي: لا يُكذِّبونك في ردِّ الوحي، وإنَّما يُكذِّبونَني؛ لأنَّك تُخبِرُ به عنِّي.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: قد نَعلمُ ما قالوا فيك، وإنَّما قالوا ذلك بسبِبنا ولأجلِنا، وقد كنتَ عظيمَ الجاهِ فيهم قبل أن أوقعنا عليك هذا الرَّقم، وكانوا
(١) نص العبارة في "تفسير مقاتل": "فإذا خلا مع أهل ثقته".
(٢) انظر: "تفسير مقاتل" (١/ ٥٥٨).
(٣) رواه ابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٢٨٢) (٧٢٣٦) عن الضحاك عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما.