يُصرِّفُهم كيف يشاء، مِن يقظةٍ إلى نومٍ، ومِن نومٍ إلى يقظة، ومِن حياةٍ إلى موت، ومن موتٍ إلى حياة، لا كالأصنام التي اتَّخذتموها آلهةً، وهي لا تَضرُّ ولا تَنفع.
وقوله تعالى: {وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً}؛ أي: ملائكةً كرامًا كاتبين، يَكتبون أعمالَكم وأقوالَكُم، فيحفظونها عليكم.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ذكر إرسالَ الحفظَةِ بعد قوله: {وَهُوَ الْقَاهِرُ}؛ ليُعلَمَ أنَّ إرسالَهم لم يكن لحاجته إلى ذلك؛ لأنَّ المُحتاجَ لا يكونُ قاهرًا، بل لحكمةٍ، وهي امتحانُ الحفَظة بما أمرَهُم به، وللَّه أنْ يَمتحِن عبادَه بما شاء، وأُخرى لتكونَ العبادُ على حذرٍ، وهذا أبلغُ في الزَّجرِ؛ لأنَّ مَن علِمَ أنَّ عليه رقيبًا كان أجدرَ بالحذرِ والنَّظر، وإن كان يَعلمُ أنَّ اللَّهَ يَطَّلِعُ عليه بدونِه.
والحَفَظةُ هم كتبَةُ الأعمالِ عند بعضِهم، وظاهرُ نظمِ الآيةِ يَدلُّ على أنَّهم هم الذين يَحفظون أنفاسَ الخلقِ ويَعدُّونَها إلى وقتِ انقضائِها، ثمَّ يَقبِضون الرُّوح (١)، ويدلُّ عليه ما بعده وهو قوله تعالى:
{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}؛ أي: قَبضَتْ روحَهُ ملائكةٌ أرسلناهم غيرُ هؤلاء، وهم أعوانُ ملكِ الموت، وقال تعالى: {قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ} السجدة: ١١؛ أي: هو الموكَّل به وحدَه، وهو الذي يَلِي ذلك وهؤلاء يُعينونه، وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} الزمر: ٤٢؛ أي: هو المقدِّرُ ذلك.
وقال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما: {تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا}: قبضَهُ ملكُ الموت، وأعوانُه سبعة مِن ملائكةِ الرَّحمةِ، وسبعةٌ مِن ملائكة العذاب، فإذا قبضَ ملكُ الموتِ نفسًا
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٠٦ - ١٠٧).