كانوا مفضَّلين على العالمين بالإحسانِ والصَّلاح لو لم يكنْ رسالةٌ ولا نبوَّةٌ.
قال: وقوله: {وَمِنْ آبَائِهِمْ} هم مَن تقدَّمهم، {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} مَن تأخَّر عنهم، {وَإِخْوَانِهِمْ} من قارنوهم (١).
وقيل: {وَذُرِّيَّاتِهِمْ} محمدٌ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقيل: المؤمنون بعدَهم.
والاجتباءُ يكون بالرِّسالةِ، وهو خاصٌّ لهم، ويكونُ بالتَّوحيد والإسلام، وهو يَعُمُّ الأنبياءَ والمؤمنين، ويَحتملُ أنَّه برفعِ الدَّرجاتِ والفضائل. وقوله تعالى: {وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ} للتَّبعيض؛ لأنَّ مِنهم مَن لم يجتبِهم.
وقوله: {يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ}، و {نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ} يَنقضُ قولَ المعتزلة؛ فإنَّهم يقولون: أعطى الكلَّ مِن الهُدى ما أَعطى الأنبياءَ والرُّسل، وشاءَ لكلِّ أحدٍ أنْ يَبلغَ المبلغَ الذي إذا بلغَ ذلك، صَلَحَ للنبوَّة والرِّسالة، لكنَّهم شاؤوا ألَّا يَبلغوا ذلك المبلغَ، فيجعلون المشيئةَ في ذلك إلى أنفسهم دون اللَّهِ تعالى (٢).
ودلَّت الآياتُ أنَّ مَن نالَ درجةً أو فضيلةً، فإنَّما نالَ بفضلِ اللَّهِ ومنَّته.
ثمَّ ذكرُ عيسى فيهم دليلٌ على أنَّ النَّسبَ يَثبتُ مِن قِبلِ الأمِّ، كما يثبتُ مِن قِبل الأب؛ لأنَّه جعلَهُ مِن ذُرِّيَّة نوحٍ، وهو لا يتَّصلُ به إلا بالأمّ.
وحكي أنَّ يحيى بنَ يَعمر كان يُناخ الحجَّاج في أنَّ العلويَّين أولادُ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان الحجَّاجُ يَنفي ذلك، ويقول: هم أولادُ عليٍّ رضي اللَّه عنه لا غير، حتَّى أحضرَهُ
(١) في (ف): "قاربوهم".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ١٥٤ - ١٥٥).