عبدًا له عابدًا له، وقولُه تعالى: {نَسْتَعِينُ} افتقارٌ إلى معونتهِ، واحتياجٌ إلى توفيقِه وعِصمته، كأنه (١) يقول: (بناز وسر يرادكه بيده مني، وبنو روسو فر وداركه مي معونت من برهيج مني) (٢).
وقالوا: هما لتعليمِ بذل المجهودِ، وتلقينِ سؤالِ العطاءِ والجُود.
ثم تحقيقُ هذين اللفظينِ من العبد: أن لا يَخدمَ غيرَ اللَّه، ولا يسألَ غيرَ اللَّه، بعدما أظهرَ هذا من نفسِه أنه إياه يَعبدُ وإياه يستعين.
وقد حُكي عن سفيان الثوريِّ: أنه أَمَّ قومًا في صلاة المغرب، فلما قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} خرَّ مغشيًا عليه، فلما أفاق قيل له في ذلك، فقال: خفتُ أن يُقالَ لي: فلمَ تَذهبُ إلى أبوابِ الأطبَّاء والسَّلاطين؟
ثم في مجموعِ الكلمتين تحقيقُ مذهب أهل السُّنة والجماعة، وهو إثباتُ الفعل من العبدِ والتوفيقِ من اللَّه تعالى، وفيه ردٌّ على (٣) الجبريَّة والمعتزلةِ (٤):
فالجبريةُ يَنْفون الفعلَ من العبد، وقولُه: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} يردُّ عليهم ذلك.
والمعتزلةُ لا يَرون التوفيقَ من اللَّه (٥)، وقولُه: {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} يردُّ ذلك عليهم.
(١) في (ر): "وكأنه".
(٢) في هامش (ف): "تعريبه: كأنه يقول: افتخر وترفع. . . وافتخر وأخفض فعبادتك بغير معونتي لست بشيء ينفع".
(٣) "على" من (ف).
(٤) في (ف): "والقدرية".
(٥) في (ف): "ربهم".