وقال الإمام القشيريُّ رحمَهُ اللَّه: تَعرَّف إليهم بآياتِه، ثمَّ تَعرَّف إليهم بصفاتِه، ثمَّ كاشفَهم بذاتِه، بقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}، فقوله: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} تعريفُ العوامِّ والأصاغر، وقوله: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} تعريفُ الخواصِّ والأكابر (١).
* * *
(١٠٣) - {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.
وقوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}؛ أي: لا تحيطُ به؛ لأنَّ الإحاطةَ تكون بالمحدود والمتناهي، واللَّهُ يَتعالى عن ذلك، وحملَهُ المعتزلةُ على نفي الرؤية، وليس كذلك؛ فإنَّ الإدراكَ ليس باسم الرُّؤية، ونفيُه ليس بنفيِ الرُّؤية، قال تعالى: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (٦١) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} الشعراء: ٦١ - ٦٢، نفى الإدراكَ مع إثبات الرؤيةِ، فصحَّ ما قُلنا.
وقوله تعالى: {وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}؛ أي: تُحيطُ رؤيتُه وعِلْمُه بالأشياءِ كلِّها، فله كمالُ العلمِ والصِّفات، والمخلوقاتُ كلُّها تحت قدرتِه وسلطانِه ومملكتِه.
وقوله تعالى: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: {اللَّطِيفُ} في فعالِه (٢) بالعباد، {الْخَبِيرُ} العالمُ بالعبادِ وأعمالِ العباد.
قال: وقيل: {اللَّطِيفُ}: البارُّ الرَّحيم.
قال: وقيل: {اللَّطِيفُ}: العليمُ بخفيَّاتِ الأشياء، و {الْخَبِيرُ}: العليمُ بظواهرِ الأشياء (٣).
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٤٩٣).
(٢) في (ف): "أفعاله".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٤/ ٢٠٠).