وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا} بيَّنَ أنَّهم لا يُشرِكون على خلاف مشيئة اللَّه قهرًا له، وأنَّه لو علم منهم (١) اختيارَ الإيمان لهداهُم للإيمان، ولكن علمَ مِنهم اختيارَ الشِّرك، فشاءَ لهم الشِّركَ، فأشركوا بمشيئته.
وقوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}؛ أي: مراعيًا لأعمالِهم، مأخوذًا بإجرامهم.
وقوله تعالى: {وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ} بمسلَّطٍ على إكراهِهم على الإسلام، وليس عليك الآنَ إلَّا التَّبليغُ، إلى أنْ تؤمرَ بِقتالِهم.
* * *
(١٠٨) - {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
وقوله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} السَّبُّ: الشَّتم والعَيب والطَّعن، و {يَدْعُونَ}؛ أي: يَعبدونه وَيدعونه إلهًا، {فَيَسُبُّوا اللَّهَ} نصب لأنَّه جوابُ النَّهي بالفاء، و {عَدْوًا}؛ أي: تجاوزًا عن الحقِّ إلى الباطل، وهذه الآيةُ تحقيقُ قوله: {وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ}.
وقال ابنُ عباس رضي اللَّه عنهما: قالوا: يا محمَّد، لتَنتهينَّ عن سبِّ آلهتِنا، أو لنَهجوَنَّ ربَّك، فنهاهُم اللَّهُ أنْ يَسبُّوا أوثانَهم (٢).
وقال السُّدِّيُّ: لمَّا حضر أبا طالبٍ الوفاةُ، دخل عليه أبو سفيان، والنَّضرُ بنُ الحارث، وأبو جهل، وأميَّة وأبيّ ابنا خلف، والأسودُ بن البختريِّ، وعمرو بن
(١) في (أ): "فيهم".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ٤٨٠)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٣٦٦) (٧٧٦٠).