أثبتَ الإخلاصَ لنفسِه في الدِّين، ونفى الإشراكَ، وخصَّ الحجَّ والعمرةِ بالذِّكر؛ لأنَّ المشركين كانوا يُدخِلون الشِّرك في التَّلبية، في قولهم: لبيكَ لا شريكَ لك، إلا شريك هو لك، تَملِكهُ وما ملك. ومَن حملَهُ على القربان، فإنَّما خصَّهُ به؛ لأنَّهم كانوا يَذبحون لآلهتِهم، وهو شركُ، فنَفى ذلك كلَّه عن نفسِه.
وبدأَ بقولِه: {قُلْ}، وختم بقوله: {وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ}؛ بيانًا أنَّه يقولُه ائتمارًا لا افتخارًا. وقال الإمام القشيريُّ رحمَه اللَّه: مَن عَلِمَ أنَّه للَّه، لم يبقَ فيه نصيبٌ لغيرِ اللَّه، فاستسلمَ لحكمِ اللَّه، ولم يَعترِض على تقديرِ اللَّه، ولم يُعارِض باختيارِه اختيارَ اللَّه، ولم يُعرِض عن اعتناقِ أمر اللَّه (١).
* * *
(١٦٤) - {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}.
وقوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ} استفهامٌ بمعنى النَّفي؛ أي: لا يجوزُ في العقل السَّليم أنْ أطلبَ لي مُدَبِّرًا وحافظًا ومصرِّفًا غيرَ اللَّه، وهو مصرِّفُ كلِّ شيءٍ، وهو ربُّ أصنامِكم وربُّكم.
وقوله تعالى: {وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا}؛ أي: لا يكون جنايةُ (٢) نفسٍ إلَّا عليها.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: ويَحتملُ أن يكون معناه: ولا يَقعُ عملُ
(١) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥١٥).
(٢) بعدها في (ف): "كل".