لأن رحمة اللَّه تنزل عليهم من فوقهم، قاله ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما (١).
وكذا قال قتادة: لا يستطيعُ أن يحولَ بينك وبين رحمةِ ربِّك (٢).
ولم يقل: من تحتهم؛ لأنَّه موضع سجودهم، وفيه وعدُ القُربة من اللَّه تعالى.
وقال ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما وقتادةُ والحسن وإبراهيم والسُّدِّي والحكَم وابن جريج: {ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ} فأخبرُهم أنه لا بعثَ ولا جنةَ ولا نار، {وَمِنْ خَلْفِهِمْ} من أمرِ الدنيا فأزيِّنها لهم وأدعوهم إليها وأخوِّفهم الفقر على أنفسهم وعلى مَن يَخْلُفهم مِن بعدهم، فلا يَصِلون رَحِمًا ولا يؤدُّون زكاةً {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ}: من قِبَل حسناتهم فأثبِّطهم عنها {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}: فأزِّينُ لهم السيئات وآمرُهم بها (٣).
وروى حيان عن الكلبيِّ: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ}: الدنيا أُطغيهم فيها {وَمِنْ خَلْفِهِمْ}: الآخرة أشكِّكهم فيها فيكذِّبوا بها {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ}: من قِبَل حسناتهم حتى يُعجَبوا بها {وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ}؛ أي: شهواتهم.
وفي روايةٍ عنه: {وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ}: من قِبَل الدِّين ألبِّس عليهم.
وقال شقيق بن إبراهيم (٤): ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربعةِ مراصدَ:
(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ١٠١).
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٩٧).
(٣) رواه عنهم -عدا الحسن- الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٩٦ - ٩٩)، لكن إبراهيم والسُّدِّي والحكم وابن جريج قولهم في تفسير {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} على العكس مما ذكر، وأن المعنى: {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ}: مِن قِبَلِ دنياهم {وَمِنْ خَلْفِهِمْ}: مِن قِبَلِ آخِرتهم. وكذا جاء في رواية ثانية عن ابن عباس.
(٤) شَقيق بن إبراهيم أبو عليٍّ الأَزْدِيُّ من أهل بَلخ، حسَن الجري على سبيل التَّوكُّل وحسَن الكلام فيه، وهو من مشاهير مشايخ خُراسان، كان أستاذ حاتم الأصم وصحب إبراهيم بن أدهم وأخذ عنه الطَّريقة وأسند الحديث. انظر: "طبقات الصوفية" للسلمي (ص: ٥٣).