يس: ٩ وقرأ أهلُ الكوفة غيرَ حفصٍ عن عاصم بالتشديد (١) كما في قوله: {فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى} النجم: ٥٤.
ثم لمَّا ذكر الاستواء على العرش وهو إخبارٌ عن نفاذِ أمره وكمالِ ملكه واطِّراد تدبيره، بيَّن ذلك في عيانٍ فقال: {يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ}؛ أي: يُلبِس الليل النهارَ بظُلمته فيُذهب نورَه.
وقيل: هذا مختصرٌ، وتمامه تقديرًا: ويغشي النهارَ الليل؛ أي: يُلبس النهارَ الليلَ بنوره فيُذهب ظلمته، وهو كقوله: {يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ} الحج: ٦١ وقوله: {يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ} الزمر: ٥، وهذا ا لاختصار كقوله: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} النحل: ٨١؛ أي: الحر والبرد.
وقوله تعالى: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا}: أي: يَتْبعه سريعًا على ذلك، جعَل اللَّه تعالى تعاقُب الليل والنهار إلى آخِر مدة الدنيا، ولو انقطعتِ الحركاتُ المتعاقِبة المتواصلةُ لانتقَض العالم، وهو قوله: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} الرحمن: ٥.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: أي: يُظهِر النورَ في ابتداء النهار في طرفٍ من أطراف السماء والظلمةَ في أول الليل، ثم يَنشُر ذلك في جميع أطراف السماء والأرض وما بينهما في قَدْر لحظةٍ، ما (٢) لو أُريد تقديرُ ذلك بجميع ما في الخَلق من المقادير ما قدروا عليه، ليُعلم أن اللَّه على ما يشاء قدير (٣).
وقوله: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} ليس على حقيقةِ الطلب، لكنْ لمَّا كان من كلِّ واحد
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٨٢)، و"التيسير" (ص: ١١٠). ويريد بالكوفيين هنا حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر عنه، وقرأ باقي السبعة بالتخفيف.
(٢) في (ف) و (أ): "مما".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٤٥٨).