(٩٩) - {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}.
قوله تعالى: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ}: أي: أَخْذَهم بغتةً، والمكر أصلُه: إظهارُ المحبوب وإخفاءُ المكروه، وإذا بَسط اللَّه تعالى نعمةً على عبدٍ استدعاءً للشكر فلم يفعل، ثم أخذه بغتةً، فقد ظهرت له نعمة وكانت خفيتْ له محنة.
وقيل: هو على الجزاء، كما في قوله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} الشورى: ٤٠ وقال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} البقرة: ١٩٤ وهذا جزاءٌ من اللَّه على مكرهم بالأنبياء كما ذكر في الخداع والاستهزاء.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: المكرُ في الشاهد: أن يراقب من عدوِّه حالَ غفلةٍ فينتقمَ منه، فسمَّى ما ينزل من العذاب بهم في الغفلة مكرًا مجازًا، وعلى هذا: الامتحانُ بين الخلق هو استظهارُ ما خفي على بعضهم من بعضٍ فيأمرون بذلك وينهَون، فسمَّى اللَّه ذلك امتحانًا لمعنى الأمر والنهي، وإن كانت الخفياتُ عن الخلق ظاهرةً له باديةً عنده (١).
قوله تعالى: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}: أي: لا يأمن أَخْذَ اللَّه بغتةً إلا الخاسرون.
قال ابن عبَّاس: أي: إلا الكافرون الذين خسروا أنفسَهم حتى صاروا إلى النار.
وقال علي رضي اللَّه عنه: لا تُنزِلوا الموحِّدين العارفين المخبِتين الجنةَ حتى يكونَ اللَّه هو يحكُم فيهم؛ لأن اللَّه تعالى يقول: {فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}، ولا تُنزلوا الموحِّدين العارفين المذنبين النار حتى يكون اللَّه هو يحكم فيهم؛ لأن اللَّه يقول: {لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} يوسف: ٨٧ (٢).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥١١)، وما بين معكوفتين منه.
(٢) لم أجده، لكن ذكر الإمام أبو حنيفة في "الفقه الأكبر" (ص: ١٣٨) أحاديث في معناه، فقال: حدثت =