وقال الإمام أبو منصور: {فَظَلَمُوا بِهَا}؛ أي: سمَّوا الآيات سحرًا، فوضعوها غيرَ موضعها.
ويحتمِل: ظلموا النعم بكفرانها وعبدوا غير اللَّه، فصرفوا الشكر إلى غير المنعم.
ويحتمِل: ظلَم الملأُ الأتباعَ بمنعهم عن اتِّباع الرسل والتأمُّل في الآيات.
ويحتمِل: ظلموا أنفسَهم بجحودها (١).
ثم إنَّ قصة موسى أطولُ قصص الأنبياء في القرآن، وهي مكرَّرة في سور منها، وقد قالت عائشة رضي اللَّه عنها: يا رسول اللَّه، إن اللَّه تعالى أكثرَ ذكرَ موسى في القرآن، فقال: "يا عائشة، مَن أحبَّ شيئًا أكثرَ ذكرَه" (٢) أشار إلى قوله: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}.
وفي هذه السورة فصولٌ من قصته، والبداية ها هنا بذكر مجيئه فرعونَ وأدائه الرسالة، ولم يُذكر ها هنا قصةُ ولادتِه وتربيتِه وغربتِه وتزوُّجِه بنتَ شعيبٍ وعودِه إلى مصر، وقد ذُكر ذلك كلُّه في غير هذا الموضع، فأخَّرنا نحن بيان قصصها إلى مواضعها، ونذكر ها هنا ما روي في قصة مجيئه فرعونَ لعنه اللَّه، ودعوتِه إلى الإسلام، وإظهارِ المعجزة، وما كان من معارضة السحرة إياه، وغلبتِه إياهم وإسلامهم.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه في الآية: لمَّا انقرضت أيامهم، وتقاصَرت عن بساط الإجابة أقدامهم، بَعَث موسى نبيَّه وضم إليه هارون صفيَّه، فقوبلا بالتكذيب، فسَلك بهم مسلكَ إخوانهم في التعذيب (٣).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥١٦).
(٢) المرفوع منه رواه أبو نعيم والديلمي من حديث مقاتل بن حيان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن عائشة به مرفوعًا، كما في "المقاصد الحسنة" للسخاوي (ص: ٦١٩).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٥٤ - ٥٥٥).