(١١٦) - {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}.
وقوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا}: أي: فسترون ما يحلُّ بكم من الخِزْي، ولم يكن هذا أمرًا بتنفيذ السحر ورضًا به، ولكنه تهديد.
وقوله تعالى: {قَالَ أَلْقُوا فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ}: أي: قلبوا أعين الناس عن صحة الإدراك.
وقيل: حيَّروا الأعين.
{وَاسْتَرْهَبُوهُمْ}؛ أي: حملوهم على الرهبة وهي الخوف، وسين الاستفعال للطلب والسؤال، وذلك لمَّا رأوها تسعى؛ قال تعالى: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} طه: ٦٦.
قال الحسن: ألقى كلُّ رجل منهم ما كان في يده من حبلٍ أو عصًا، وكانوا أخرجوا ثلاثَ مئة وستين وسقًا من الحبال والعصي، فلما ألقوا قالوا: {بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} الشعراء: ٤٤؛ أي: القاهرون (١).
وروي أنها كانت عصيًّا جُوفًا فيها الزئبقُ، فلما أصابها حرُّ الشمس تحركت وخيِّل إلى موسى أنها تسعى إليه، وخاف مَن حضر أن بعضها يسعى إليهم فرَهِبوا فهَرَبوا (٢) إذ كان سحرًا عظيمًا؛ أي: هائلًا كثيرَ العدد والملقين.
وقال الحسن رحمه اللَّه: ملؤوا الدنيا في أعينهم حياتٍ، وكان أولُ مَن خطفوا بسحرهم بصرَ موسى وهارون، ثم فرعون والناس، وامتلأ الوادي
(١) قطعة من الخبر السابق عند ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٦١/ ٦٦).
(٢) "فهربوا" ليس في (أ).