وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: لمَّا عملوا للَّه، وأُوذوا في اللَّه، صرَفوا القصدَ إلى اللَّه، وطلبوا المعونةَ من عند اللَّه، كذا السنَّة فيمَن كان كلُّه للَّه تعالى أن يكون كلُّه على اللَّه (١).
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قوله: {إِنَّ هَذَا لَمَكْرٌ مَكَرْتُمُوهُ} هو تمويهٌ وتلبيسٌ منه على قومه لئلا يؤمنوا، كما قال في الابتداء: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ} الأعراف: ١٠٩.
وقوله: {لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ} هدَّدهم أولًا بأشدِّ العقوبات ثم قال هذا، وهو جهل منه لأنه أيسرُ من قطعهما من جانبٍ؛ لأن ذاك متلِفٌ وذا ليس بمتلفٍ، ولذا شُرع هذا في الحدود، وذاك يعجز عن الصعود، وهذا يقدر على الصعود (٢).
وقوله: {إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقَلِبُونَ} إقرارٌ منهم بالبعث، وهو ثقةٌ بالوعد، وهو تخويفٌ لفرعون: إنَّا وأنت منقلبون إلى جزاء اللَّه، فيُثيبنا على إيماننا ويعاقبُك على صنيعك بنا.
وقوله (٣): {وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا} وكان الحقَّ علينا وعليكم أن نؤمن بها.
وقوله: {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} قيل: أنزل علينا، إنما قالوا ذلك لخوفهم أنه لو فعل بهم ما أَوعدهم به فلعلهم لم يصبروا فيتركوا الإيمان، فسألوا الصبرَ عليه
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٥٥٨).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٤/ ٥٣٣ - ٥٣٤). والمراد بالصعود: الصعود على الخشبة للصلب، وعبارة الماتريدي: (. . . أو أنه اختار القطع من خلاف ليكون مؤنة الصلب عليهم لا عليه؛ لأن المقطوع من خلاف قد يمكن له الصعود على الخشبة، والثاني: لا، واللَّه أعلم).
(٣) في (ف): "قولهم".