وقال الإمام أبو منصور -رحمه اللَّه-: رجع {غَضْبَانَ} للَّه على قومه بعبادتهم العجلَ {أَسِفًا}؛ أي: حزينًا على قومه بما يَلحقُهم من العقوبة بذلك، وكذا ينبغي لكلِّ مؤمنٍ أن يغضبَ للَّهِ تعالى إذا رأى ارتكابَ منكرٍ ويتأسَّفَ على ما ينال العُصاة، وقد قال اللَّه تعالى في حقِّ نبيِّنا -صلى اللَّه عليه وسلم-: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} الشعراء: ٣، وقال: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ} فاطر: ٨، فدل على حزنه وتأسُّفه على ذلك.
وقال في قوله: {بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي}: له وجهان:
الأول: بئسما اخترتُم من عبادتكم العجلَ على عبادة اللَّه تعالى.
والثاني: بئسما اخترتُم اتِّباعَ (١) السامريِّ إلى ما دعاكم إليه بعد اتِّباعكم إياي وأخي رسولَ اللَّه هارونَ، وأمرِنا إياكم بعبادة اللَّه تعالى (٢).
وقوله تعالى: {أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ} قيل: أي: أسبَقتم أمرَ ربِّكم؛ أي: عبدتُم العجل قبل أن يأتيَ به أمر من اللَّه تعالى؛ أي: لو كان هذا مما يجوز أن يُفعل تقرُّبًا إلى اللَّه لأمَر اللَّه عز وجل به، فلِمَ فعَلْتُموه قبل أن يأتي به أمر (٣).
وقيل: أي: أعجِلتم وعدَ ربِّكم، فقد قال في سورة طه: {أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا} طه: ٨٦.
قال الحسن: كان موسى صلوات اللَّه عليه واعَدَهم ثلاثين ليلةً، فلما مضت الثلاثون ولم يرجع قدَّروا أنه قد مات (٤).
(١) في (ف): "بئسما اخترتم من عبادتكم العجل اتباع"، وعبارة "التأويلات": (بئسما خلفتموني باتباعكم).
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٤٤).
(٣) ذكر نحو هذا الواحدي في "البسيط" (٩/ ٣٦٩) و"الوسيط" (٢/ ٤١٢)، والبغوي في "تفسيره" (٣/ ٢٨٤)، والرازي في "تفسيره" (١٥/ ٣٧١)، وعزوه للكلبي، ولا حاجة لمثل هذه الأقوال، فكيف يُتخيل ولو على سبيل الافتراض أن يأمر اللَّه سبحانه بعبادة العجل.
(٤) ذكره الماوردي في "النكت والعيون" (٢/ ٢٦٣)، والواحدي في "البسيط" (٩/ ٣٦٩)، والبغوي =