يسقط عنه حكمُ المسح كما قال أصحابنا، وإذا مسح على لحيته ثم سقطت (١) زال حكمُه ووجب غسلُ ذقنه، لما سمَّى الشَّعرَ رأسًا وسمَّى اللحية لحيةً، فسقوطُها يُسقط حكمَ المسح وسقوطُ شعر الرأس لا يُسقط.
قال: ودلَّت الآية على أن الأنبياء كانوا يعملون بالاجتهاد كما كانوا يعملون بالوحي، فإن موسى أخذ برأس أخيه بالاجتهاد إنكارًا على هارون تَرْكَ النكير على قومه، ولو كان بالوحي لم يقل له هارون: {لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي} (٢)، وهارونُ أيضًا عمِل ما عمِل مع قومه بعد عبادتهم العجلَ بالاجتهاد لا بالوحي، ولهذا اعتذر عنه وقال: {خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} ولو فعل شيئًا بالأمر لم يَعتذر منه إلى موسى (٣).
وقوله تعالى: {قَالَ ابْنَ أُمَّ}: قرأ حمزةُ والكسائيُّ وابن عامر وعاصمٌ في رواية أبي بكر بكسر الميم، وأصله: يا ابن أمي، وحُذفت الياء تخفيفًا لكثرة الاستعمال في النداء، كما في قوله: (يا قوم) وقرأ الباقون: {ابْنَ أُمَّ} بالفتح (٤).
وقيل: كثُر استعمال هاتين الكلمتين فصارلَا كاسمين جُعلا اسمًا واحدًا، فبُنيا على الفتحة كما في حضرَموتَ وبعلَبكَّ وخمسةَ عشرَ.
وقيل: أصله: يا ابن أمَّاه، على النُّدبة، وسقطت الهاء والألفُ تخفيفًا.
وهذا (٥) قول هارون لموسى عليهما السلام، ومعناه: يا أخي، وكان أخاه لأبيه وأمِّه وإنما خصَّ الأمَّ استعطافًا؛ لأن ذكر الأمِّ يوجب ذلك.
(١) في (ر): "ثم زالت لحيته"، والمثبت موافق لما في "التأويلات".
(٢) "بلحيتي": ليست في (أ) و (ف).
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٤٥ - ٤٦).
(٤) انظر: "السبعة" (ص: ٢٩٥)، و"التيسير" (ص: ١١٣).
(٥) في (ف): "وهو".