وقرأ ابنُ كثير ونافع وأبو عمرٍو مشدَّدًا منوَّنًا.
وروى حفصٌ عن عاصم مخفَّفًا مضافًا (١)، والمخفَّف من الإيهان، والمشدَّد من التَّوهين، وكلاهما تعديةُ الوَهْن وهو الضعفُ، والإضافة للحال، والتنوينُ للإخبار عن الاستقبال.
وإيهانُ كيدهم بأمور؛ منها: الإطْلاعُ على عوراتهم، ومنها: إبطالُ حيَلهم، ومنها: إلقاءُ الرعب في قلوبهم، ومنها: تفريقُ كلمتهم، ومنها: نقضُ ما أَبرموا من عزائمهم.
* * *
(١٩) - {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ}.
وقوله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}: أي: إن تستنصِروا فقد جاءكم النصر.
وقيل: إن تستكشِفوا فقد جاءكم الكشف.
وقيل: إن تستقضُوا فقد جاءكم القضاءُ.
ونزولُه في أبي جهل لعنَه اللَّه، فإنه قال: اللهم اقضِ بيننا وبين محمد، وانصُرْ أحبَّ الدِّيْنَينِ إليك، وأهلِكْ أقطَعَنا للرَّحِم وآتانا بما لا نَعرف (٢)، قال ذلك يوم بدر.
(١) انظر: "السبعة" (ص: ٣٠٤ - ٣٠٥)، و"التيسير" (ص: ١١٦).
(٢) رواه الواقدي في "المغازي" (١/ ٧٠)، وابن إسحاق كما في "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٢٨)، ومن طريقه ابن أبي شيبة في "المصنف" (٣٦٦٧٤)، وابن أبي عاصم في "الآحاد والمثاني" (٦٣١)، والطبري في "تفسيره" (١١/ ٩٤)، ومن غير طريقه رواه الطبري أيضًا في الموضع نفسه، جميعهم عن عبد اللَّه بن ثعلبة بن صعير حليف بني زهرة قال: (كان المستفتِح يوم بدر أبا جهل، قال: اللهم أقطعنا للرحم، وآتانا بما لا نعرف، فأَحِنه الغداة)، فأنزل اللَّه: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ}. =