في هذه الآية من معاملة المشركين وجرأتهم على اللَّه تعالى ما يدعو المؤمنين إلى جهادهم وردِّهم عن سَفَههم وعنادهم، إما بقتلهم أو إدخالهم في الإسلام، فقال: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا}؛ أي: كفارُ قريش، ومكرُهم: تدبيرهم في إهلاكه أو إفساد (١) أمره على جهة (٢) الاستسرار، بحيث لا يُعلم إلا عند وقوعه.
وجاء أن أوَّل ما وقع من التدبير هو الحبسُ إليه إلى أن يموت، ثم انتقلوا عنه إلى إخراجه من البلد ونَفيه، ثم استقرَّ تدبيرهم على قتله، فنزل جبريل عليه السلام فأخبره (٣)، ففارق منزله وبطَل تدبيرُهم أصلًا.
وقوله تعالى: {لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ} فيه أقاويل:
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما والحسن ومجاهد وقتادة: أي: ليُوْثِقوك بوثاق (٤).
وقال عطاء وعبد اللَّه بن كثير والسدِّي: أي: ليحبسوك (٥).
وقيل: أي: ليَسْحَروك (٦)، فيجعلوك ثابتًا في مكان.
وقيل: {لِيُثْبِتُوكَ}؛ أي: ليُخرجوك، كما يقال: أثبتَه في الحرب، إذا جرحه جراحةً متلِفةً.
(١) في (ف): "هلاكه وفساد".
(٢) في (ف): "وجه".
(٣) في (أ): "وأضربه"، وفي (ف): "فأخبرهم به".
(٤) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٣٢).
(٥) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٣٢)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٥/ ١٦٨٨). وقول السدي عند الطبري: (الإثبات: الحبس والوثاق)، وعند ابن أبي حاتم: (يحبسوك ويوثقوك)، وهما متقاربان، وفيهما الجمع بين هذا القول وسابقه.
(٦) في (ر): "ليسجروك". والمثبت من باقي النسخ، وهو الموافق لما ذكره الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٣٣)، واستدل عليه بقصة أبي طالب الآتية.