صاحبَه ويتأخَّر حياءً، فلما دخلا بكَيَا، فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما يبكيكما؟ " قالا: كثرةُ جَفائنا، فقال: "أبشِرا فإن اللَّه يَقْبلُكما" ونزلت الآية.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: قل لهم: إنْ حلُّوا نطاقَ العناد أطلَقْنا عنهم عقالَ البِعاد، وإنْ أبصروا قبحَ أفعالهم جُدْنا عليهم بإصلاح أعمالهم، وإنْ جَنَحوا للاعتذار خلعْنا عليهم خلعة الاغتفار (١).
* * *
(٣٩) - {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ}.
وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: أي: شرك {وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}؛ أي: حتى يخلُص دينُ الإسلام فلا يعبدَ إلا اللَّه، ويجتمعَ الناس كلُّهم على الطاعة والعبادة للَّه تعالى.
قال ابن عباس والحسن وقتادة والسدي وابن إسحاق وابن زيد: {حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ}: أي: شرك (٢).
وقيل: أي: لا يبقى مشركٌ يُفْتَتنُ به الجاهلون.
وقال الربيع بن أنس: حتى لا يُفْتَنَ مؤمنٌ عن دينه (٣).
وقوله تعالى: {فَإِنِ انْتَهَوْا}: أي: عن الفتنة والشرك وصاروا إلى دين الحق معكم {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} يعني: بما يعملون من تركِ الكفر
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (١/ ٦٢٤).
(٢) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١١/ ١٧٨ - ١٨٠).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٤/ ٣٥٦)، والواحدي في "البسيط" (١٠/ ١٥١).