وقوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}: أي: اشتغالًا عن شكر النعمة بإظهار التطاوُل على الناس بإسرافِ نفقةٍ في غيرِ رضى اللَّهِ عز وجل ونحوه، وقد بَطِر من حدِّ عَلِمَ؛ قال تعالى: {بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا} القصص: ٥٨.
وقيل: البَطَر: سوءُ احتمال الغِنَى، وهو قريب من الطغيان، قال الشاعر:
وإذا غَنِيْتَ فلا تكن بَطِرًا... وإذا افتقرتَ فتُهْ على الدَّهرِ (١)
وقوله: {وَرِئَاءَ النَّاسِ}؛ أي: مرآةً لهم؛ أي: اخرجوا إلى الجهاد محتسِبين، لا بَطِرين ولا مُرائين كالمشركين، فإنهم خرجوا يفعلون ذلك.
وقوله تعالى: {وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}: أي: دين اللَّه {وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}؛ أي: عالم، وهو وعيدٌ وتهديد.
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما ومجاهدٌ وعروةُ بنُ الزبير ومحمد بن إسحاق: خرج أهل مكة لحماية العير التي كانت مع أبي سفيان، وأخرجوا المعازف والقِيَان، فلما نجا أبو سفيان أرسل إليهم: أن ارجعوا فقد سلِمَت عيرُكم، وهم بالجحفة، فقال أبو جهل لعنه اللَّه: واللَّه لا نرجع حتى نَرِدَ بدرًا وننحرَ جُزرًا ونشربَ خمرًا، وتعزف علينا القِيَان، ويرانا مَن غشِيَنا من أهل الحجاز، وتسمعَ بنا العرب فلا يزالون يهابوننا (٢).
وروي أنه قيل: يا رسول اللَّه! الرجل يقاتل ليَغْنَم، ويقاتل ليُذكر، ويقاتل ليُرى مكانه، فمَن في سبيل اللَّه؟ فقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَن قاتل لتكون كلمةُ اللَّه هي العليا" (٣).
* * *
(١) البيت لمحمد بن جرير الطبري. انظر: "تاريخ بغداد" (٢/ ١٦٦)، و"شعب الإيمان" (٤٦٣١)، و"معجم لأدباء" (٥/ ٢٤٤)، و"سير أعلام النبلاء" (١٤/ ٢٧٦).
(٢) رواه عنهم الطبري في "تفسيره" (١١/ ٢١٧ - ٢٢٠).
(٣) رواه البخاري (٣١٢٦)، ومسلم (١٩٠٤)، من حديث أبي موسى الأشعري رضي اللَّه عنه.