الأرض يكون رجوعهم إلى غيرِ منعةٍ وشوكةٍ، وإذا لم يَغلب في الأرض ثم أخذ الفداء يكون رجوعهم إلى منعةٍ، وذلك لا يحلُّ (١).
وقالوا: هذا عتابٌ للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم- بألطفِ وجهٍ، فإنه لم يقل له: ما كان لك أن تفعلَ، بل أخبره أنه لم يجعلْ لأحدٍ من الأنبياء ذلك؛ أي: لم يَشْرعْ لهم، وفي هذا من التعظيم لنبيِّه -صلى اللَّه عليه وسلم- ما لا خفاءَ به.
وقوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}: ولم يقل: تريد -خطابًا للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، بل خاطب الناس.
وقيل: ليس بخطابٍ أيضًا للكل، فإن أبا بكر ومَن كان بمثلِ (٢) حاله ما أشاروا (٣) إلى أخذ الفداء رغبةً في المال، بل رجاءَ إسلام الكفار، والأقلُّون منهم رغبوا في المال، فعاتبهم اللَّه تعالى بقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}؛ أي: تختارون المال الذي هو شيءٌ قليلٌ عارضٌ يزول.
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ}: أي: يختار لكم ثواب الآخرة دون عرَض الدنيا.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: إن اللَّه تعالى أراد لأهل بدرٍ الآخرةَ وثوابها، وهم أرادوا العير وعرَض الدنيا، فكان ما أراد اللَّه تعالى لهم لا ما أرادوا (٤).
وقوله تعالى: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}: أي: فأَريدوا الآخرةَ يعزَّكم، ولا تخافوا العدو فإن اللَّه يَقهرهم، وهو حكيمٌ فيما يَأمر به ويختاره.
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٢٥٨).
(٢) في (أ): "مثل" وفي (ف): "بمثل" بدل: "كان بمثل".
(٣) في (ف): "أشار".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٢٦٠)، وفي قوله: (وهم أرادوا العير وعرض الدنيا) نظر، فقد ذلك للجميع دون أن يستثني، وقد ذكر المؤلف الجواب عنه قريبًا.