ويقال: بشَّر العصاة بالرحمة، والمطيعين بالرضوان، والكافةَ بالجنة، وقدَّم العاصي في الذكر، وقدم المطيع بالبِرِّ، والذكرُ قولُه وهو قديم، والبِرُّ طَولُه وهو عميم.
وقيل: بشَّر بنفسه ليزيد في محبة عبده؛ لأن القلوب مجبولةٌ على حبِّ المبشِّر، يقول قائلهم:
لولا تمتُّعُ مُقلتي بلقائه... لوهبتُها لمبشِّري بإيَابه (١)
وقوله تعالى: {يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ} عرَّفهم أنهم برحمته وصلوا إلى طاعته، لا بطاعتهم وصلوا إلى نعمته.
وقوله تعالى: {لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ} قومٌ نعيمهم عطاءُ ربهم على وصف التمام، وقومٌ نعيمُهم لقاءُ ربهم على نعت الدَّوَام، فالعابدون لهم تمامُ عطائه، والعارفون لهم دوام لقائه (٢).
* * *
(٢٣) - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: ولمَّا أَمر النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بالهجرة إلى المدينة جعل الرجل يقول لأبيه وأخيه وامرأته وقَرابته: إنَّا قد أُمرنا بالهجرة إلى المدينة فاخرجوا معنا، فمنهم مَن يعجبه ذلك ويتسارع فيه، ومنهم مَن يأبى ذلك، ومنهم مَن يتعلق به زوجته وعيالُه وولده
(١) في (ف): "بلقائه".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ١٦ - ١٧).