القعدة، وفي السنةِ الثانية في ذي الحجة، ولهذا قال عليه السلام عامَ حجَّ الوداع: "إنَّ الزمان قد استدارَ كهيئته يومَ خَلْق السماوات والأرض" وأَبْطلَ النسيء (١).
ووجهٌ آخر للاتصال: أن السورة في قتال المشركين وصفتهم أنهم نجسٌ، وأفعالُهم كذلك، ومِن قبائحهم النسيءُ وهو تغييرُ حُكم اللَّه تعالى.
وقوله تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا}: أي: شهورِ السَّنة {عِنْدَ اللَّهِ}؛ أي: في حكم اللَّه {اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا} نصبٌ لأنهما اسمان جُعلا اسمًا واحدًا وبُني على الفتحة لأنها أخفُّ الحركات.
وإنما قُدِّرت الشهور القمرية بالاثني عشر لأن الشهور الشمسية كذلك؛ لنزولها في اثني عشر برجًا، وتمام السنة الشمسية بذلك، فجعلت السنة القمريةُ اثني عشر شهرًا أيضًا؛ ليَتوافَقوا على حسابٍ واحد، قال تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} الرحمن: ٥.
وقوله تعالى: {فِي كِتَابِ اللَّهِ}: قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: في الإمام الذي عند اللَّه كتبه يومَ خلَق السماوات والأرض (٢).
وقال علي بن الحسين بن واقد: أي: في اللوح المحفوظ (٣)، وهو كقوله في سورة الحج: {إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ} الحج: ٧٠ وكذا في سورة الحديد.
وقيل: في قضاء اللَّه وإيجابِ اللَّه على خلقه من أحكامها.
(١) رواه البخاري (٣٢٩٧)، ومسلم (١٦٧٩)، من حديث أبي بكرة رضي اللَّه عنه.
(٢) ذكره الواحدي في "البسيط" (١٠/ ٤٠٧).
(٣) ذكره الواحدي في "البسيط" (١٠/ ٤٠٧) عن الواقدي، والمشهور بهذا اللقب هو محمد بن عمر صاحب "المغازي"، وعقبه الواحدي بقوله: وهو قول عامة أهل التأويل، ونحو هذا يُحكى عن ابن عباس: ({فِي كِتَابِ اللَّهِ} قال: في الإمام. . .) فذكر ما سبقه من قول ابن عباس.