قوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}: أنه (١) لا استطاعة لهم، وهو ما ذكرنا من سلامة الآلات وتهيُّؤ الأسباب؛ أي: فلا تَقبلوا لهم عذرًا.
و {إِنَّهُمْ} لم تنتصِب بوقوع (٢) العلم عليها لمكان اللام بعدها.
وقال مجاهد: إنهم لكاذبون فيما يقولون: {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ} ليس في قلوبهم ذلك.
وقال قتادة: هم جماعة من المنافقين منهم جدُّ بن قيس ومعتِّب بن قُشير.
ودلت الآية على صدق النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دعوى الرسالة، لأنه أَخبر أنهم سيَحلفون كذا، وكان (٣) كما أخبر، وذاك لا يعلمه إلا العالِمُ بالعباد عالمُ الغيب.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ}؛ أي: لو كان نفعًا حاضرًا أو غائبًا من منافع الدنيا لاتبعوك، فإن صفتهم كانت اتِّباعَ المنافع، وقال اللَّه تعالى في صفتهم: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ} الآية الحج: ١١.
وقال في قوله تعالى: {يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ}: قيل: يُظهِرون نفاقَهم بترك الخروج، كقوله تعالى: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} الأحزاب: ٦١ (٤).
وقال القشيريُّ رحمه اللَّه: كان ذلك تعليلًا فاسدًا من أهل النفاق، وكذا مَن كان غيرَ متحقِّقٍ في قصدِه غيرَ مُبالِغ في جهده، وأنشدوا:
وكذا المَلولُ إذا أراد قطيعةً... ملَّ الوصالَ وقال كان وكان
ومَن جدَّ في الطلب لم يعرِّج في أوطان الفشل، يصلُ السَّير بالسُّرى ولم يبالِ من مقاساة العناء:
(١) "أنه" من (أ).
(٢) في (أ) و (ر): "لوقوع" والمثبت من (ف) وهو الصواب.
(٣) في (أ): "أو كذا".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٣٧٨).