والحقُّ سبحانه لا يرضى دون أن يُذيق العتاةَ بأسَه، ويسقيَ كلًّا على ما يستوجبُه كأسُه، وقد أرخَى اللَّه للمنافقين عنان إمهالهم، ثم هتك أستارهم بأقوالهم وأفعالهم (١).
* * *
(٦٦) - {لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ}.
وقوله تعالى: {لَا تَعْتَذِرُوا}: أي: لا تتكلَّموا بالعذر الباطل {قَدْ كَفَرْتُمْ}: فقد صرَّحتم بما يوجب الكفر {بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}: بعد إظهاركم الإيمانَ باللسان.
وقوله تعالى: {إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ} (٢): قرأ عاصم: {نَعْفُ} بالنون وفتحها وضم الفاء، {نُعَذِّبْ} بالنون وضمِّها وكسر الذال، {طَائِفَةٍ} بالنصب، إخبارًا من اللَّه تعالى عن نفسه بكلمة التعظيم، وقرأ الباقون: {يُعْفُ} بالياء وضمها وفتح الفاء {تُعَذِّبْ} بالتاء وضمها وفتح الذال على ما لم يسمَّ فاعله، {طَائِفَةً} بالرفع (٣).
ومعناه: إن تركنا العقوبة في الحال في حقِّ بعضهم وهم العامةُ والأتباع الذين لا ضرر منهم على المسلمين لنعاقبهم في الآخرة، نعذبْ طائفة منهم من الكبراء المعلِنين بالأراجيف الساعين بين المسلمين بالفساد بالقتل.
قال تعالى: {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ} التوبة: ٧٣، {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ} الأحزاب: ٦٠ إلى قوله تعالى: {وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} الأحزاب: ٦١، وقوله تعالى:
(١) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٤٢).
(٢) في (ف): "إن يعف. . . تعذب. . . "، وهي قراءة أكثر السبعة كما سيأتي.
(٣) " {طَائِفَةٌ} بالرفع" من (ر). وانظر القراءتين في "السبعة" (ص: ٣١٦)، و"التيسير" (ص: ١١٨).