وقال سفيان بن عيينة: إنما قيل للصائم: سائح؛ لأنَّه تارك اللَّذات كلِّها من المطعم والمشرب والنكاح (١)، كمَن يسيح في الأرض؛ أي: كمَن يسير فيها.
وقيل: طلَّابُ العلم الداخلون فيه.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: هم الصائمون عن شهود غير اللَّه، الممتنعون عن خدمة غير اللَّه تعالى، المكتفون من اللَّه باللَّه.
وقيل: {السَّائِحُونَ}: السائرون في الأرض على جهة الاعتبار طلبًا للاستبصار، الذاهبون بقلوبهم في مشارق الأرض ومغاربها بالتفكُّر في جوانبها، والاستدلالِ بآياتها على خالقها، والجائلون بأسرارهم في الملكوت، فيجدون روحَ الوصال، ويعيشون بنسيم الأنس بالتحقُّق بشهود ذي الجلال (٢).
وقوله تعالى: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ}: أي: المحافظون على الصلوات فرضِها ونفلِها تذلُّلًا إليه وخضوعًا.
وقال عطاء: {الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ} بنيةٍ صادقةٍ بلا رياءٍ ولا سمعة (٣).
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: {الرَّاكِعُونَ}: الخاضعون للَّه في جميع الأحوال بخمودهم تحت سلطان التَّجلِّي.
وفي الخبر: إن اللَّه تعالى إذا تجلَّى لشيء خشع (٤) له.
= وصوب وقفه ابن كثير عند تفسير هذه الآية. وقد روي هذا القول عن جمع من الصحابة والتابعين، فقد رواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ١١ - ١٥) عن أبي هريرة وعائشة كما تقدم، وعن ابن مسعود وابن عباس رضي اللَّه عنهم، وعن سعيد بن جبير ومجاهد والحسن والضحاك وعطاء.
(١) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ٩٨)، والبغوي في "تفسيره" (٤/ ٩٩).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٦٧).
(٣) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٧١) من قول ابن عباس بلفظ: (الذين يصلون للَّه بنية صادقة).
(٤) في (ر): "خضع". والمثت من باقي النسخ و"اللطائف".