وقال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: هو العفو عن إذنه للمنافقين بالتخلُّف عنه (١)، قال تعالى {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.
وقوله تعالى: {وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ}: قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: هو في حقِّ زلَّاتٍ سبقت منهم يومَ أحد وغيره، قال تعالى: {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ آل عمران: ١٥٥.
وقيل: هو في حقِّ هفَواتٍ كانت منهم في غزوة تبوك؛ همُّوا أن ينصرفوا في غير وقت الانصراف على غيرِ إذنٍ لشدائدَ أصابتهم.
قال: ويجوز أن يكون أراد الإدامةَ والثباتَ (٢) على التوبة الياضية، كما عُرف في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} وقولهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} النساء: ١٣٦ أنه على الدوام والثبات دون الابتداء والإنشاء.
قال: ويحتمل أنه على أنهم حيث صبروا على ما أصابهم من الجهد والشدة كشف اللَّه عنهم أشياء كانت مستورةً عنهم، وجلَّى لهم أغطيةً كانت لا تنجلي لهم من قبلُ، فازدادوا تفويضًا وتسليمًا ورجوعًا إلى ربهم، فذلك توبةُ اللَّه عليهم وتوبتُهم إلى اللَّه تعالى (٣).
ثم الجمعُ بين المهاجرين والأنصار وبين النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في هذا غايةُ التشريف لهم والتشهير (٤)، حيث أَشرك بينه وبينهم في التطهير.
وقوله تعالى: {الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ}: أي: في غزوة تبوك وقد أصابتهم
(١) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٨٠).
(٢) في (ر) و (ف): "والإثبات".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥٠٢ - ٥٠٣).
(٤) في (أ): "غاية تشريف وتشهير".