يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ} الآية البقرة: ٢١٤، وقال: {هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ} الأحزاب: ١١.
وقوله تعالى: {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ}: أي: وفَّقهم للرجوع إليه والاعتصام به، وقبِل ذلك منهم.
وقوله تعالى: {إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}: والجمع بين الاثنين (١) للمبالغة والتأكيد.
وإنما كرَّر ذكر التوبة لوجوهٍ:
أحدها: أن قوله: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ} هو للتوفيق للتوبة، ثم قولَه: {ثُمَّ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} لقبولها، والأول لِمَا سلف والثاني لِمَا كان منهم في هذه الغزوة، أو الأول للكلِّ والثاني لمن كاد يزيغ قلبه على الخصوص.
وقيل: الأول: العفو، والثاني: التخفيف، حيث قفَل بهم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قبل الحرب، قاله الحسن، وهو كقوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ} المزمل: ٢٠؛ أي: خفَّف عنكم فأسقطه عنكم.
وقال الإمام القشيري رحمه اللَّه: كذا سنَّةٌ اللَّه مع أوليائه إذا أشرفوا على العطب وقاربوا من التلف، واستمكن اليأس من قلوبهم من النصرة، ووطَّنوا أنفسهم على أن يذوقوا أليمَ البأس والعسرة، يُمطر عليهم سحائبَ الجود والنصر الموعود، فيعيد عودَ الحياة بعد يبسه طريًّا، ويَردُّ وردَ الأُنس عقيب (٢) ذبوله غضًّا جنيًا (٣).
* * *
(١١٨) - {وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ
(١) في (ف) و (أ): "الاسمين".
(٢) في (ف): "بعد".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٧٠).