منكم، وقد وَليَه يَليهِ وَلْيًا؛ أي: جاهِدوا الأقربَ فالأقربَ إليكم، ولا تدَعوا الأقربَ وتقصِدوا الأبعد فيَقصدَ الأقربُ بلادَكم وأهاليَكم وأموالكم وأولادَكم.
وفيه: أنهم إذا أمِنوا الأقربَ كان لهم مجاوزتُهم إلى الأبعد (١).
قال ابن عباس رضي اللَّه عنهما: أمر اللَّه المؤمنين أن يقاتلوا الأدنى فالأدنى من عدوِّهم من أهل المدينة مثلَ قُريظةَ والنَّضير وخيبرَ وفدك (٢).
وذكر أن الذين يلُونهم من الأعداء يومَ نزول هذه الآية هم الروم الذين بهم ختم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- غزوة تبوك؛ لأن بلاد العرب كانت قد فتحت عليه وكانت مسافتهم إلى الروم أقرب منها إلى بلاد الأعاجم (٣)، وكان الكلام متصلًا بما تقدم من ذكر غزوة تبوك.
وقال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قيل: كان هذا الأمر أولًا بقتال الأدنى فالأدنى، ثم ورد الأمر بقتال الكلِّ بقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً}.
وقيل: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا غزا ربما يجاوز (٤) كفارًا ويقاتل الأبعدَ لتكون آية لنبوته، وأنه لا يبالي ولا يخاف مَن ترَكَه، فنزلت الآية تعليمًا للمؤمنين أمرَ الحرب كما علَّمهم ذلك في سائر الآيات من الأمر بأخذِ الحذر وإعدادِ ما استطاعوا من قوة.
وقيل: هذا إنباءٌ عن دوام الجهاد مع الأعداء أبدًا؛ لأنَّه كلما فُتح ناحيةٌ صار الذين بقُوا وراء هؤلاء يلونهم (٥).
وقوله تعالى: {وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً}: قال الضحاك: أي: عنفًا، وقال مجاهد:
(١) في (ف): "كان لهم محاربة الأبعد".
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١١٢)، والواحدي في "البسيط" (١١/ ٩٦) واللفظ له.
(٣) روي نحو هذا عن ابن عمر عند الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١١٢)، وعن ابن عباس عند الواحدي في "البسيط" (١١/ ٩٦).
(٤) في (أ): "يجاور".
(٥) انظر: "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٥١١ - ٥١٢).