وقيل: الرِّجس: الأذى، ومعناه: امتلاءُ صدورهم من الغيظ مما يَرون من علوِّ المسلمين وقهرِ الكافرين والمنافقين.
وقوله تعالى: {وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ}: وهو إخبار عن إصرارهم عليه إلى الموت، وهو كقوله تعالى: {لَا يَزَالُ بُنْيَانُهُمُ الَّذِي بَنَوْا رِيبَةً فِي قُلُوبِهِمْ} التوبة: ١١٠.
وقال القشيري رحمه اللَّه: إنزالُ (١) القرآن لقوم شفاءٌ ولقوم شقاء، فأما المخلصون فزادتهم السورة إيقانًا فارتقَوا من حدِّ تأمُّل البرهان إلى روح البيان، ثم من روح البيان إلى أُنس العِيان، فشُموسُ العِرفان طالعة على أسرارهم، وأنوار التحقيق مالكةٌ لأرواحهم، فلا لهم تعبُ الطلب، ولا عليهم سلطان الفكر والدأب، وشعاعُ شُموس العرفان مستغرقٌ لأنوار العلم والبيان، يقول قائلهم:
فلمَّا استبانَ الصُّبحُ أَدْرَجَ ضوءُه... بإسفاره أنوارَ ضوءِ الكواكب (٢)
* * *
(١٢٦) - {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}.
وقوله تعالى: {أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ}: قرأ حمزة: {أَوَلَا تَرَوْنَ} بتاء المخاطبة للمؤمنين، وقرأ الباقون بياء المغايبة خبرًا عن المنافقين (٣)؛ أي: عجبًا منهم كيف قستْ قلوبهم وعَمِيت أبصارهم عما يَتتابع عليهم من أنواع المحن حتى لا يخلو كلُّ عامٍ من محنةٍ أو محنتين، ثم لا يرجعون عن كفرهم ولا يتَّعظون بما يصيبهم.
وقال الحسن وقتادة: هذه الفتنة هي القتلُ (٤) والسبيُ ونصرُ المؤمنين (٥).
(١) في (ف): "أنزل"، وفي "اللطائف": (جعل اللَّه إنزال).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٧٤).
(٣) انظر: "السبعة" (ص: ٣٢٠)، و"التيسير" (ص: ١٢٠).
(٤) في (أ): "القتال".
(٥) رواه عنهما الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٩٢)، وعن الحسن عبدُ الرزاق في "تفسيره" (١١٤٥)، =