وقوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا}: أي: دعاؤهم، وهو مِن دعا يدعو، كالشَّكوى مِن شكا يشكو.
وقوله تعالى: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ}؛ أي: كلامُ أهلِ الجنَّة فيها تنزيهُ اللَّهِ عمَّا كان في الدُّنيا يُضاف إليه مِن الأضداد والشركاء.
وقوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}؛ أي: وآخرُ ما يتكلَّمون فيه مِن النَّعيم: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، يحمدونَه على ما أدرَّ عليهم مِن نِعمِه، يبتدئون كلَّ نعمةٍ بالتَّسبيح للَّه، ويختمونها بالحمد للَّه، كما كانوا في الدُّنيا يبتدئونَ النِّعمةَ بالتَّسميةِ ويختمونها بالحمدِ.
وقيل: هي على حقيقة الدَّعوى التي تكون مِن المدَّعي.
قال الإمام أبو منصور رحمه اللَّه: قال قائلون: أي: يدَّعون في الآخرة مِن الإيمان والتَّوحيد للَّه تعالى والتَّنزيه ما ادَّعوه في الدُّنيا مِن ذلك؛ فإنَّ التَّسبيحَ هو تنزيهُ اللَّهِ تعالى، وتبرئتُه عن جميع العيوب الَّتي وصفَتْهُ بها المشبِّهة والملحِدة (١).
وقيل: الدَّعوى هي التَّمني؛ قال تعالى: {وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ} فصلت: ١٣؛ أي: يتمنَّون ويشتهون.
وروى سعيدُ بن جبير عن ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما أنَّه قال: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ}: كلَّما اشتهى أهلُ الجنَّة شيئًا قالوا: {سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ}، فجاءَهم ما يشتهون (٢).
(١) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ١٣).
(٢) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ١٣١)، وابن الجوزي في "زاد المسير" (٤/ ١٠).