(٦٧) - {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}.
وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}: وهو إخبارٌ عن قدرته على ما تعجزُ عنه أصنامُهم.
يقول: هو الَّذي جعلَ لكم اللَّيل تسكنون فيه إذا أويتم إلى منازلكم منصرفين من الحركة والاضطراب في طلب المعاش، وجعل النَّهار ذا إبصار؛ أي: يقع فيه الإبصار على المبصَرات، ويكون فيه بروزُ الأشياء للعيون بعدَ الاستتار بظلمة اللَّيل، وهو كقوله تعالى: {فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ} الحاقة: ٢١؛ أي: ذاتِ رضًا، و {مَاءٍ دَافِقٍ} الطارق: ٦؛ أي: ذي دَفْقٍ، وليلٍ نائم؛ أي: ذي نومٍ؛ أي: يُنام فيه.
وقال جريرٌ:
لقدْ لُمْتِنَا يا أمَّ غَيلانَ في السُّرَى... وَنِمْتِ وَما لَيْلُ المَطِيِّ بنائِمِ (١)
وقوله تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ}: أي: لَعَلامَاتٍ على قُدرةِ اللَّهِ تعالى ووحدانيتِه لِمَن يسمعُ الوَعْظَ فيتدبَّرُه بقلبٍ حاضرٍ، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} ق: ٣٧.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: الليل لأهل الغَفْلة بعدٌ وغيبةٌ، ولأهل النَّدم توبةٌ وأوبةٌ، وللمحبِّين زلفةٌ وقربةٌ (٢).
وأوحى اللَّه تعالى إلى داود عليه السَّلام: كَذَبَ مَن ادَّعى محبَّتي فإذا جَنَّ اللَّيلَ نام عَنِّي (٣).
(١) انظر: "ديوان جرير" (٢/ ٩٩٣).
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٠٧).
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" (٢/ ٧١)، و"إحياء علوم الدين" (٤/ ٣٣٣)، و"المنثور" =