وقوله تعالى: {وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}: أي: الأقواتِ والأطعمة المستطابة.
ويحتمل: المَنَّ والسَّلوى.
وقوله تعالى: {فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}: قيل: فما اختلفوا في نبوَّة محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- إلى أن جاءَهم هو، فحينئذٍ كفرَ بعضُهم به وآمنَ بعضُهم.
و {الْعِلْمُ}: معرفتُهم به قبلَ خروجِه، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا} البقرة: ٨٩.
وقيل: بل كانوا مختلفِيْنَ في كثيرٍ مِن أمورِ دينِهم قبلَ المَبْعَثِ، طلبًا للرِّئاسة، وبغيًا مِن بعضهم على بعضٍ، حتَّى ألجأَهُم ذلك إلى القتال، تعسُّفًا في التَّأويل، وتعصُّبًا للمذاهب، وقوله: {حَتَّى جَاءَهُمُ الْعِلْمُ}؛ أي: الكتاب والأحكام، فاختلفوا بعد فراقِهم موسى عليه السَّلام، على الوجه الَّذي قُلْنا.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ}: فيَمِيزُ المحقَّ من المُبْطِلِ، فيجزي كلًّا منهم على استحقاقِه، ويُنزله منزلةَ استيجابه (١)، على حكم وعده ووعيده.
وقيل: أراد به اليهود الَّذين كانوا في عصر النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، أنزلَهم اللَّه تعالى منزلةَ كرامةٍ وفضلٍ، فما اختلفوا في محمَّد حتَّى جاءَهم العلمُ عيانًا؛ أي: المعلوم، وهو محمَّد عليه الصَّلاة والسَّلام.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: يقول: أَدَلْنَا لهم الأيام، وأكثَرْنا عليهم الإنعام،
(١) في (أ): "وينزل منزله استجابة" ولم تنقط الأخيرة، وفي (ف): "وينزل منزله الاستحباب"، وفي (ر): "وينزل منزلة استحباب". وكلها غير ظاهرة، والمثبت من "تفسير ابن كمال باشا" وقد نقل كلام المؤلف بحرفه.