وقوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}: أخبرَ عن كمالِ قُدْرَتهِ ونفوذ مشيئتِه: أنَّه لو شاءَ لآمنَ مَن في الأرض كلُّهم فلا يبقى فيها إلَّا مؤمنٌ موحِّدٌ، ولكنَّه شاءَ أنْ يؤمِنَ به مَن عَلِمَ منه اختيارَ الإيمانِ به، وشاءَ ممَّنْ عَلِمَ منه أنَّه يختارُ الكُفْرَ ولا يؤمِنُ به ألَّا يؤمِنَ به.
وقوله تعالى: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}: استفهام بمعنى النَّفي؛ أي: لا تملكُ أنت يا محمَّد أنْ تكرِهَهم على الإيمان؛ لأنَّ الإيمانَ يكونُ بالاعتقادِ والإقرار، ولا يمكن الإكراه على الاعتقاد.
وقيل: كان هذا بمكَّة حين لم يُؤمَروا بالقتال، ثمَّ أُمِروا بالمدينة بالقتال، وهو إكراهٌ على الإيمان.
وقال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: كان رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حريصًا على إسلام أبي طالب وقومِه، فأبى اللَّهُ ذلك عليه إلَّا مَن علم في سابق علمه أنَّه يؤمِنُ، فأنزل اللَّه تعالى قولَه: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} يونس: ١٠٠ (١).
قال عطاء: أي: بمشيئةِ اللَّه تعالى، وهو كقوله تعالى: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} البقرة: ١٠٢ (٢).
وقال عطيَّةُ العوفيُّ: أي: بقضاءِ اللَّهِ وقَدَرِه (٣).
وقال عبد العزيز بن يحيى: أي: بعلمِ اللَّه وتوفيقِه (٤).
(١) ذكره الواحدي في "البسيط" (١١/ ٣٢٤)، وانظر: "تنوير المقباس" للفيروزآبادي (ص: ١٨٠).
(٢) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٥٣).
(٣) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (١٤/ ٢٩٨) (ط: دار التفسير)، ورواه الطبري في "تفسيره" (١٢/ ٣٠٠) عن سفيان.
(٤) ذكره الثعلبي في "تفسيره" (٥/ ١٥٣)، وفيه بدل "عبد العزيز بن يحيى": (الداني)، وفي الطبعة =