ويجوز أن يكونَ هذا ابتداءً، ويكونَ جوابُه: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} الآية.
فإنْ قالوا: لماذا كرَّر ذكرَ الإيمان في هذه الآية بعد ما ذكره في الآية الأولى، والقرآنُ على الإيجاز؟
فجوابُه من وجوهٍ:
أحدها: أن التكرير للتأكيد والتقريرِ متعارَفٌ عند العرب، قال قائلُهم:
كَمْ نعمةٍ كانَتْ لكُمْ... كَمْ كَمْ وكَمْ (١)
وفي القرآن: {وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ} في سورة المرسلات مراتٍ، وفي سورة الرحمن: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} مراتٍ، والقرآنُ نزل بلغة العرب.
والثاني: أن الثاني ردٌّ لقول أهل الكتاب، فكانت إعادةً جُدِّدتْ إفادَةً (٢).
والثالث: أن هذا غيرُ الأول؛ فإنَّ الأول إيمانٌ بالغيب وهو القيامةُ وما فيها، وهذا إيمانٌ بالقرآن وسائرِ الكتب، ولئن حُمل الغيب المذكورُ في الآية الأولى على القرآن فهذا على الإيمانِ بالوحي الذي لا يُتلى وسائرِ الكتب، فلم يكن تكرارًا (٣).
وقوله تعالى: {وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ}: فالآخرة: تأنيثُ الآخِرِ، وهو الذي يقابِلُه (٤)
(١) الرجز دون نسبة في "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص: ١٥٠)، و"الصناعتين" للعسكري (ص: ١٩٣)، و"تفسير الثعلبي" (٩/ ١٨٠)، و"أمالي المرتضى" (١/ ١٢١)، و"البسيط" للواحدي (٢١/ ١٥١). وزاد العسكري فيه تفعيلة وهي: (كانت وكم).
(٢) كلمة "جددت" هكذا ضبطت في (أ): بضم الجيم، وعليه فيكون "إفادةً" مفعولا له، ويجوز فتح الجيم، فيكون "إفادة" مفعولًا به، والنتيجة واحدة لمن تأمل.
(٣) في (ف): "مكررًا".
(٤) في (ف): "يقابل".