وكانوا يقولون له: ما تستفيدُ بهذا؟ فكان يقول: إنَّها تأمر بالمحاسِنِ وتنهى عن المساوئ، كما عرَّف اللَّهُ تعالى عبادَه بقوله: {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} العنكبوت: ٤٥، فقالوا له على وجه الاستهزاء به: {أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ}؛ أي: تأمرُنا بترْكِ عبادةِ ما كان يعبدُ آباؤنا، وأنْ نتركَ التَّبسُّط في أموالنا بما نشاءُ مِن إيفاءٍ ونَقْصٍ؟
وقيل: أدينُكَ (١) يأمرُكَ بهذا؟ وسُمِّي الدِّين بها (٢) لأنَّها أعظمُ شرائعِ الدِّين، وما خلَتْ عنها شريعةُ أحدٍ مِن المرسَلِيْن.
وقيل: كانوا يكسرونَ الدَّراهم الصَّحيحة، فكان تبايعُهم بالمكسور عددًا، وبالصِّحاح وزنًا (٣)، فيقعُ البَخْسُ بهذا.
وقيل: كانوا يقطعون أطرافَها، فيستفضلون القُرَاضات، ويتبايعون بالباقي على أنَّه درهمٌ تامٌّ.
وقوله تعالى: {إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ}؛ أي: السَّفيه الضَّالُّ، وهذه التَّسمية على القَلْبِ على وجْهِ الاستهزاء؛ كما يُقال للحبشيِّ: أبو البيضاء، وهو كقولِ خزنة جهنَّم لأبي جهلٍ لعنه اللَّه: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} الدخان: ٤٩، وقال الشَّاعر:
فَقُلْتُ لسيِّدنا يا حليـ... مٌ إنَّكَ لم تأسُ أسوًا رَفِيْقَا (٤)
(١) في (ر) و (ف): "أربك".
(٢) في (ر) و (ف): "بهذا".
(٣) في (ر): "بالمكسور عددًا والصحاح وزنا".
(٤) البيت لشييم بن خويلد. انظر: "الحيوان" (٣/ ٨٢)، و"البيان والتبيين" (ص: ١٠٧)، و"لسان العرب" (مادة: خفق). ودون نسبة في "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص: ١١٨)، و"الأضداد" لابن الأنباري (ص: ٢٥٨).