أي: إنَّ المتنَعِّمِيْنَ الذين نشؤوا في اللَّذات لم ينهوا عن الفسادِ، ولم ينتهوا بأنفسِهم، بل اتَّبعوا ما أُترِفوا فيه من الأموال والأحوال، وكانوا مجرمين مشركين مستكثِرين من المعاصي.
ودلَّت الآية أنَّ أكثر ما يميل إلى الكفر والباطل هم المترفون، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} سبأ: ٣٤.
* * *
(١١٧) - {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}.
وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}: أي: ليس مِن صفةِ ربِّك أنْ يُهلِكَ القرى ظالمًا؛ أي: بغير ذنبٍ منهم؛ أي: لم يهلِكْ أهلَ القرى الذي (١) عُذِّب في هذه السُّورة وهو ظالم، قال تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} فصلت: ٤٦.
وقيل: قوله: {بِظُلْمٍ}؛ أي: بظلمٍ منهم؛ يعني: بشرك (٢) اللَّه.
{وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ}: فيما بينهم، لا يتظالمون.
ودلَّ أنَّ هذه القرى لو تكافَتْ عن الظُّلم لم يُهلَكوا.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: المصلِحُ: مَن قامَ بحقِّ ربِّه دونَ حظِّ نفسه.
وقيل: المصلحُ: مَن اهتمَّ لنفسِه، فآثرَ نجاتَه على هلاكِه.
وقيل: هو المصلحُ قلبَه لمعرفةِ سيِّده، والمصلحُ سرَّه لمشاهدةِ سيِّده (٣).
(١) في (ر) و (ف): "التي".
(٢) في (أ): "يعني شرك"، وفي (ر): "أي: بشرك".
(٣) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٦٣).