وقال في كتاب "عصمة الأنبياء": ما معنى إجابة يعقوبَ لِبَنِيْهِ في إرسال يوسفَ معَهم، وقد سمعَ أنَّهم للرَّتْعِ واللَّعبِ يدعونَه ويحملونَه، وهو نبيٌّ مرسلٌ؟ هلَّا تحرَّزَ عن إجابتِهم؟
قلْنَا: إنَّه عليه السَّلام عاملَهم بالعِشْرةِ فيما لم يكن محرَّمًا على يوسفَ في حالِ صِباهُ، والرَّتْعُ واللَّعبُ اللَّذان كانوا يدعونَه إليهما لم يكونا معصيةً، وإنْ كانا مكروهَيْنِ أو لغوين، والنجباء الأجلَّة في معاملة الناس ومجاملتهم كانوا لا يختارون من الأعمال إلا أفضلها (١)، ومِن الأمورِ إلَّا أكملَها (٢)، لكنَّهم إذا استقبلَهم ممَّن دونَه لغوٌ أو إصابَةٌ بمكروهٍ عامَلُوهم (٣) على قدْرِ احتمالِهم، فلم يكنْ مِن النُّجباء الأصفياء مذمومًا لجميلِ مرادِهم في تحسينِ أخلاقِهم؛ استجلابًا منهم للَّذين عاملُوهم (٤) إلى الحقِّ والهدى.
فإنْ قال قائلٌ: بأنَّ يحيى عليه السَّلام فيما يُروَى عنه عرفَ ذلك، حتَّى دفعَ الإجابةَ للصِّبيان إلى اللَّعب، حتَّى مدحَه اللَّه تعالى فقالَ: {وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا} مريم: ١٢ وهو ابنُ أربعِ سِنينَ، حيثُ قال لهم: ما للَّعبِ خُلقْتُ (٥). فهلَّا عرفَ يوسفُ عليه السَّلام حتَّى كان يدفعُهم؟
(١) في (ر): "أو لغوًا من الأعمالِ وإن كان الأنبياءُ والأصفياءُ لا يختارون من الأحوال إلَّا أفضلَها" وفي (ف): "أو لغوين إذ ليس المراد من الأعمال إلا أفضلها".
(٢) في (ر) و (ف): "أجملها".
(٣) في (ر): "عاملوه".
(٤) في (ر): "عاملوه".
(٥) رواه ابن المبارك في "الزهد" (٨٢٣)، وعبد الرزاق في "تفسيره" (٣٩٦)، والطبري في "تفسيره" (١٥/ ٤٧٤)، والخرائطي في "مساوئ الأخلاق" (٧٠٥) عن معمر.