قلْنَا: إنَّه عرفَ أنَّه للَّعبِ لم يُخلَقْ، ولكن لم يدفعْ كلامَهم تعظيمًا للإخوةِ الَّذين كانوا أكبرَ سنًّا منه، ولم يُظهرِ الإجابةَ بالكلامِ ولا بالعملِ رتعًا ولعبًا فيما به بأسٌ مِن حسنِ عِشرتِه.
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: خافَ يعقوبُ على يوسفَ الضَّيْعةَ مِن جهة الجوعِ بتركِهم حفظَ أوقات (١) الأكلِ، فأمَّنوه أيضًا عن ذلك بقولهم: {يَرْتَعْ}؛ أي: يأكل.
وخافَ عليه أنْ يكلِّفوه (٢) أمرًا يشقُّ عليه ويشتدُّ، فأمَّنوه أيضًا عن ذلك بقولهم: {وَيَلْعَبْ}؛ لأنَّه ليس في اللَّعب مشقَّةٌ ولا شدَّةٌ.
وخافَ عليه الضَّيعةَ بتركِهم حفظَه، فأمَّنوه عن ذلك بقولهم: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}، حتَّى استنقَذُوه مِن يدَيْهِ (٣).
وقيل: {مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا} هذا عتابٌ منهم لأبيهم، ومثله في القرآن: {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} الحديد: ٨، {وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} الحديد: ١٠، {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} النساء: ٧٥، وهذا عتابُ اللَّهِ عزَّ وجلَّ مع عبيدِه، وقالَ نوحٌ صلواتُ اللَّهِ عليه: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} نوح: ١٣، وهذا عتابُه مع أمَّته، وقال تعالى: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ} إبراهيم: ١٢ وهذا عتابُ الصَّالحين مع أنفسِهم.
وقالوا: قولهم: {أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} تكلَّموا بثماني كلماتٍ، وفيها ثمانيةُ أنواعٍ مِن الخطأ:
(١) في (ر): "آفات".
(٢) في (ف): "يلقوه".
(٣) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٢١٣).