وقوله تعالى: {وَأَجْمَعُوا}: قيل: أي: عزموا، وقيل: اتَّفقوا (١) {أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ}: قد فسَّرناه.
{وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}: قيل: بشَّرناه على لسانِ مَلَكٍ.
وقيل: {وَأَوْحَيْنَا}: أرسلنا إليه بالنُّبوَّة.
قال الحسنُ: أعطاه اللَّه تعالى النُّبوَّة وهو في الجبِّ (٢).
{لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ}: هذه بشارةٌ مؤكَّدةٌ (٣) تأكيدَ اليمين؛ أي: لتخبرنَّهم بما فعلوا بك، وهو قوله: {هَلْ عَلِمْتُمْ مَا فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ} يوسف: ٨٩، وهذا نبأ توبيخٍ، وهو بشارةٌ له بمصير أمرِه إلى ذلك.
{وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}: حالةَ إلقائِه في الجبِّ أنَّ اللَّهَ تعالى أوحى إليه وبشَّره به.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: حين انقطعَ عنه ملاطفةُ أبيه جاءَه الوحيُ مِن بارئه، وهكذا سُنَّته جلَّ جلالُه لا يفتحُ على نفوسِ أوليائِه بابًا مِن البلاءِ إلَّا فتحَ على قلوبِهم أبوابَ الصَّفاءِ وفُنونَ لطائفِ الولاء (٤).
وقال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: ويشبه أن يكون قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ}؛ أي: إلى يعقوب، {لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا}، وذلك قوله تعالى: {اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ} يوسف: ٨٧، عَلِمَ أنَّه حيٌّ بذلك الوحي، وعلى ذلك قوله تعالى:
(١) بعدها في (ف): "أن يجعلوه في غيابة الجب وهو ما أخبر اللَّه تعالى بقوله".
(٢) ذكره الجصاص في "أحكام القرآن" (٣/ ٢١٧)، والواحدي في "البسيط" (١٢/ ٤٢)، وابن عطية في "المحرر الوجيز" (٣/ ٢٢٥)، والرازي في "مفاتح الغيب" (١٨/ ٤٣٦)، وأبو حيان في "البحر المحيط" (١٢/ ٤٢٦).
(٣) في (ف): "تؤكد".
(٤) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٧٣).