فعادَ السَّاقي إلى يوسفَ وأخبرَه بذلك، وأدَّى رسالةَ الملكِ، قال: كيف أرجو كرامَتَه، ولقد لبثْتُ في سجنِه عشرَ سنين، وهو يعرفُ عذري وبراءَتي، ولم يرحمْنِي ولم ينصرْنِي ولم ينصفْنِي ممَّنْ ظلمَني؟ لا آتيه أبدًا حتَّى يجمعَ النِّسوةَ الَّلاتي كذبْنَني وافتريْنَ عليَّ وظلمْنَني، فيوبِّخَهُنَّ لكيدهِنَّ ومكرهِنَّ، ويُقْرِرْنَ له بذلك على أنفسهنَّ، ويُبْرئْنَنِي لبراءَتي وعذري.
قال وهبٌ: قال النَّبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "رحمَ اللَّه أخي يوسفَ؛ إذ دُعِيَ إلى الخروج مِن السِّجنِ فلم يفعل، إن كان لحليمًا ذا أناةٍ، ولو كنْتُ أنا المحبوسَ لبادرْتُ البابَ" (١).
* * *
(٥٠) - {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}.
يعني قوله: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}: أي: أحضِروه.
{فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ}: أي: السَّاقي {قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}؛ أي: عُدْ إلى ملكك {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} فكذَّبْنَني.
وقوله تعالى: {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}: أي: خالقي، وقيل: أراد به: سيِّدي، وهو العزيز؛ أي: هو طاهرٌ عند العزيز، فأحبَّ وضوحَ عذرِه عند الملكِ الأعظم أيضًا.
وكيدهنَّ: مراودتُهُنَّ إيَّاه عن نفسِه.
(١) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" (١١٦٤٠) من حديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما. قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (٧/ ٤٠): رواه الطبراني وفيه إبراهيم بن يزيد القرشي المكي وهو متروك.
وهذا معنى حديث رواه البخاري (٣٣٧٢)، ومسلم (١٥١) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه بلفظ: "لو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي".