عروقُهنَّ في الثَّرى والماء، فبينا أنت تقول في نفسك: أنَّى هذا؟! وهؤلاء خضرٌ مثمرات، وهؤلاء سودٌ يابسات، والمنبت واحدٌ، وأصولُهنَّ في الماء؛ إذ هبَّت ريحٌ فذرَّت من اليابسات السُّود على الخضر المثمرات، فاشتعلَتْ فيهنَّ النَّارُ فأحرقتهُنَّ، وصرْنَ سودًا متغيِّراتٍ.
فهذا آخر ما رأيْتَ من الرُّؤيا، ثمَّ انتبهْتَ مِن نومك مذعورًا مرتاعًا.
فقال الملك: واللَّهِ ما شأن هذه الرُّؤيا وإنْ كان عجبًا بأعجبَ ممَّا سمعْتُ منك، فما ترى في رؤيايَ أيُّها الصدِّيق؟
قال يوسف عليه السلام: أرى أن تجمع الطَّعام في سِنيْ الخصب، وتبنيَ الأهراء (١) والخزائن، فتكبِسَه (٢) فيها بقَصَبه وسُنبله، فيكون قصبُه وسنبله علفًا للدَّواب، ويكفيك ويكفي أهل مصر ومن حولها الطَّعام في سِنِيْ الجدب، فتأتيك الخَلْق من النَّواحي، فيمتارون منك بحكمك، ويجتمع عندك من الكنوز ما لم يجتمع لأحدٍ قبلَك.
قال الملكُ: مَن لي بهذا؟ ومَن يجمعُه؟ ومن يبيعُه ويكفي الشُّغلَ فيه؟
قال يوسفُ: إنَّ اللَّه تعالى أوحى إليَّ أنِّي أقوم به، وأكفي الشُّغل فيه.
قال الملك: ومَن أحقُّ به منك؟ فدونَك ذلك (٣).
* * *
(١) الأهراء: جمع هُرِيٍّ، وهو بيت كبير يجمع فيه طعام السلطان. انظر: "القاموس المحيط" (مادة: هري).
(٢) في (أ): "فتسكبه".
(٣) انظر: "تفسير الثعلبي" (٥/ ٢٣١).