وكان اللَّه تعالى عمَّى عليهم خبرَ يوسف وما صار إليه مِن الملك، ولتغيُّرِ لونِه وكلامِه وهيئتِه، ولتقادمِ العهد وتطاول المدَّة.
وقيل: إنَّما لم يَعرفوه لأنَّه كان متنقِّبًا.
وقيل: لم يعرفوه لأنَّهم كانوا جياعًا، وعينُ الجائع تحارُ فلا تعرف ما تبصرُ (١).
وقيل: لأنَّهم جاؤوا طامعين، والطَّمعُ يغطي العين.
وقيل: لأنَّهم كانوا جَفَوه، والجفاءُ يزيلُ المعرفة.
وقيل: لأنَّ اللَّه تعالى أخفى عليهم ذلك بلطفِه، وكان له فيه سرٌّ.
وقيل: لأنَّهم نكسوا رؤوسَهم محترِمين فلم ينظروا إليه؛ فلذلك لم يعرفوه.
قال وهبٌ: ولمَّا عرفَهم أمَرَ فتيانَه بإنزالهم في منزلٍ، أكرمَهم، ومكثَ ثلاثًا لا يكلِّمُهم، ثمَّ قال لهم بعدَ ثلاثة أيَّامٍ: مَن أنتم؟ قالوا: نحنُ أولادُ يعقوبَ بن إسحاق بن إبراهيم من أهل كنعان. فنظرَ إليهم فأكثرَ، وأدامَ فيهم النَّظر، وصعَّدَ وصوَّب فيهم البصر، ونظر إليهم جميعًا وأشتاتًا (٢) كلَّما فرغ من واحدٍ نظر إلى الَّذي يليه، ثمَّ قال: اعتزلوني حتَّى أفرغَ لكم.
وكان لا يصنعُ ذلك بأحدٍ (٣)، وكان يعجِّل سراح الممتارين، فلمَّا اعتزلوا عنه استرابوا مِن نظرِه إليهم، وقال بعضهم لبعضٍ: لقد نظر إلينا هذا الملِك نظرًا ما نظرَه إلى غيرنا، لذلك فإمَّا أن يكون نظرُه إلينا على وجه الغِبطة لنا؛ لنبوَّة آبائِنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب، أو الغِبطةِ لأبينا بما رأى من عددِنا وجَلَدِنا وقوَّتنا وجماعتِنا،
(١) في (ف): "تنظر".
(٢) في (ر) و (ف): "وأنشأ".
(٣) في (ر): "بأحد من الممتارين".