فلمَّا رجعوا إلى يوسف ودخلوا عليه قالَ لهم: كيفَ رأيْتُم فراسَتي فيكم، وعلْمِي بأمرِكُم، أليسَ قد أخبرتُكم أوَّل يومٍ رأيتكم أنَّكم سرَّاق فأنكرْتُم وحلفْتُم؟ وايم اللَّهِ، لا تبرحون حتَّى أسألَ الصُّواع عنكم، فيخبرَني بخبرِكُم، فإنَّه غضبان عليكم مِن أجلِ أنَّكم سرقْتُموه، فهو خليقٌ أنْ يفضحَكُم، وألَّا يسترَ شيئًا مِن مساوِئِكُم.
{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا}: يعني: أسوأُ صنيعًا بما صنعْتُم بيوسفَ {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ}: بما تقولون مِن الكذبِ بأنَّ أخاه يوسف سرقَ.
وإنَّما عيَّروا بوسف (١) بالسَّرقة؛ لأنَّه كان لجدِّ يوسف أبي أمِّه صنمٌ يعبدُه، فقالَتْ أمُّ يوسف ليوسف: خذْ هذا الصَّنم الَّذي يعبدُه جدُّك فغيِّبْهُ؛ لعلَّه يتركُ عبادةَ الأصنام، وكان صنمًا مِن ذهبٍ، فغيَّبه يوسف، فلم يقدروا عليه، فمِن أجل الصَّنم قالوا: {إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ}.
ثمَّ قال يوسف لأميْنِه: سَلْ هذا الصُّواع عن خبر هؤلاء القوم، وحذِّره أن يكتمَ شيئًا من أمرِهِمْ.
فنقرَهُ الأمينُ (٢)، ثمَّ قال: أخبرِ الملكَ بالَّذي سألَكَ عنه، فطنَّ الصُّواع ساعةً، والأمينُ مصغٍ إليه بأذنِه، فلمَّا سكَتَ الصُّواع قال الأمينُ: إنَّه يقول لك: أيُّها الملك، إنَّ هؤلاء القومَ ليس هذا بأوَّلِ ما سرقوا، إنَّهم سرقوا قبلَ صُواعِك هذا غلامًا حرًّا فباعوه.
قال: زدْ فسَلْه عنهم، وقلْ له: يخبرني مِن أخبارهم، فنقر الصُّواع، فطنَّ وهو مصغٍ إليه بأذنِه، فلمَّا سكتَ الصُّواع قال الأمينُ: إنَّه يقول: إنَّ أخاهم الَّذي أخبروك
(١) في (ر) و (ف): "عيروه".
(٢) في (ف): "فنقر الأمين الصواع".