لهم حرمةٌ، والكبر في السِّنِّ داعٍ إلى المرحمة، فقالوا ذلك استعطافًا؛ كما قال في قصَّة شعيب: {وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ} القصص: ٢٣، وفي قصَّة زكريَّا: {وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيًّا} مريم: ٨.
وقوله تعالى: {فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ}: أي: خذ واحدًا منَّا عبدًا بدلَه {إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}؛ أي: أحسنْتَ إلينا في الإنزال والكيل وفي ردِّ البضاعة، وتحسنُ في معاملات النَّاس، فأحسِن إلى (١) أبينا بردِّ هذا الولد إليه، وأحسِن إلينا بصرفِه معنا، فتزول وحدة أبينا عنَّا.
وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: ظنُّوا أنَّ واحدًا منهم يقوم مقامَه فيما هو مقصودُه، ولا بدلَ عن المحبوب، قال قائلهم:
أبى القلبُ إلَّا حبَّ ليلى وبغِّضَتْ... إليَّ نساءٌ ما لهنَّ ذنوبٌ (٢)
* * *
(٧٩) - {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ}.
وقوله تعالى: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ}: أي: نعوذُ باللَّهِ أن نأخذَ غيرَ الجاني في حقِّنا، ولم يكن العَوذُ مِن ترك أخذ بنيامين، بل مِن أخذ غيره.
وقوله تعالى: {إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ}: لو فعلنا ذلك.
(١) في (ف): "فأحسن إلينا وإلى أبينا".
(٢) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (٢/ ١٩٨). ونسب البيت للأقرع بن معاذ القشيري كما في "الأمالي" للقالي (٢/ ٤٣)، ولكثير عزة كما في "خزانة الأدب" للبغدادي (٣/ ٢٠٧)، وفيه عندهما بعض اختلاف.