وقالوا: مِن العجبِ أنَّ يعقوبَ وجدَ ريحَ يوسفَ، والَّذين حضروه لم يجدوا، وأعجبُ منه أن يهوذا الَّذي كان يحملُه وهو في رحلِه كان لا يجدُ ريحَه، وكذا المؤمنُ يومَ القيامةِ يجدُ ريحَ الجنَّة من مسيرة خمسِ مئة عامٍ، والكافرُ لا يجدُ ريحَها.
* * *
(٩٦) - {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}.
وقوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا}: أي: جاءَ يهوذا بالقميصِ فألقاه على وجهِ أبيه يعقوب فرُدَّ بصيرًا؛ أي: صار بصيرًا كما كان.
{قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}: أي: قال للَّذين حضروه ممَّنْ كانوا يفنِّدونه، ويقولون: {إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ}: {أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ}، وهو ما مرَّ في قولِه: {قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، وهو علمُه بما يبتلي اللَّهُ به عبادَه الأنبياءَ مِنَ المحنِ الَّتي تنكشفُ عن حميدِ العاقبةِ.
قال كعب ووهبٌ: فألقى يهوذا القميصَ على وجهِ أبيه فعادَ بصيرًا للحالى.
وقال يهوذا: البشارةَ يا أبتاه، إنَّ الملكَ العزيزَ الَّذي ملَكَ مصرَ وأهلَها هو ابنُك يوسفُ، وقد بعثَ إليكَ جهازًا ومئتي راحلة، ويسألُكَ أن تخرجَ أنتَ ومَن معك إليه، وهو قوله تعالى: {وَأْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ}.
فتهيَّأَ يعقوبُ للخروجِ، وخرجَ معه اثنان وسبعون من آلِه (١)، فبلغَ يوسفَ انزعاجُه وقربُه مِن مصرَ، فتلقَّاه في مواكبه، وتلقَّاه فرعونُ في جنودِه، ووصلَ يعقوبَ بصلاتٍ فاخرةٍ وجوائزَ سَنيَّةٍ.
(١) في (أ): "اثنان وسبعون من ذكر"، وفي (ر): "اثنان وتسعون من ذلك"، وفي (ف): "اثنان وتسعون من آله". والصواب المثبت: انظر: "الكشاف" (٢/ ٥٠٥).