وقيل: في قصص الأنبياء كلِّهم عبرةٌ؛ أي: دلالة يُعْبَر (١) بها إلى البُغية لأولي العقول الخالصة، إذا كان ذلك حقًّا مِن اللَّه، فيحقُّ على العقلاء الاعتبارُ به.
وقوله تعالى: {مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى}: أي: لم يكن خبرًا يُختلق حتَّى ينبغي للعقلاء أن يرفضوه ويعرضوا عنه {وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ}؛ أي: بل كان تصديقًا للتَّوراة والإنجيل والكُتب المنزَّلة قبلَه. قاله الحسن ومجاهد (٢).
وإنَّما قال: {بَيْنَ يَدَيْهِ} لأنَّه قد وُجِدَ، فصارَ (٣) كأنَّه حاضر له.
وقيل: لأنَّه قريبٌ منه كقُرْبِ ما كان بينَ يدَي الإنسان.
وقوله تعالى: {وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ}: أي: وتبيينًا لكلِّ شيءٍ ممَّا بالنَّاس حاجةٌ إليه في دينِهم.
{وَهُدًى} إلى الحقِّ والصِّراط المستقيم {وَرَحْمَةً} مِن اللَّهِ {لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}: رحمَ بها المؤمنين.
وقال الإمامُ أبو منصور رحمه اللَّه: وفي هذه القصَّة تصبيرُ رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على أذى قريشٍ، يقولُ: إنَّ إخوة يوسف مع موافقتهم إيَّاه في الدِّين والنَّسب عملوا بيوسفَ ما عملوا من الكيدِ والمكرِ، فصبرَ على ذلك، فأنْتَ معَ قومِكَ وهم مخالفون لك في الدِّين أحرى أنْ تصبرَ على أذاهم (٤).
وقال الإمام البشاغريُّ: ففيه دليلٌ على صدقِ محمَّدٍ عليه الصلاة والسلام،
(١) في (ف): "يعتبر".
(٢) رواه الطبري في "تفسيره" (١٣/ ٤٠٣) عن قتادة. وذكره الواحدي في "البسيط" (١٢/ ٢٨٥) عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما والحسن وقتادة.
(٣) في (ر) و (ف): "نصًّا".
(٤) انظر: "تأويلات أهل السنة" للماتريدي (٦/ ٣٠٠).