وقيل: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ}؛ أي: للَّذي أسرَّ القول. . . إلى آخره.
وقيل: أي: للَّه معقِّبات بينَ يدَي الرَّسول المصطفى محمَّد -صلى اللَّه عليه وسلم- ومِن خلفِه؛ أي: وللرَّسول معقِّبات، فقد سبقَ ذكرُه في قوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ}؛ أي: حفظةٌ يحفظونَه بأمرِ اللَّهِ ممَّنْ يريدُ به سوءًا، أو يهمُّ فيه بمكروهٍ مِن قتلٍ أو غيرِه.
أو يرجع إلى جميع الرُّسل، فقد قال: {وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}؛ أي: ولكلِّ قومٍ هادٍ وكَّل اللَّهُ به مَن يحفظُه.
والمعقِّبات: إنَّما جُمِعَ بالألفِ والتَّاء مع أنَّ الملائكةَ ذكران لأنَّه جمع الجمع، مَلَكٌ معقِّبٌ، وطائفةٌ منهم معقِّبةٌ، وطوائِفُ منهم معقِّبات، وهو كالرَّجل والرِّجال والرِّجالات.
وقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ}: أي: من نعمة {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}؛ أي: بالكفران.
قال ابنُ عبَّاس: إذا أنعمَ اللَّهُ على قومٍ بنعمةٍ فشكروها ولم يَكْفرُوها زادَ لهم تلك النِّعمة وأدامَها عليهم، وإذا لم يشكروها وتلقَّوها بالكُفْران سلبَها عنهم وابتلاهم بضدِّها (١).
وفيه يقول الشَّاعر:
لم يشكروا نعمةَ ما خُوِّلوا... فبدَّلوا المالحَ بالعذْبِ
صاحَ بهمْ مِنْ بينِهم صائحٌ... شتَّتَهُم في الشَّرْقِ والغَرْبِ (٢)
(١) ذكر نحوه الماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٥/ ٢٤١).
(٢) ذكر البيت الأول القاضي عياض في "ترتيب المدارك" (٢/ ٣٤٦) وعزاه لابن الكوني، أبو الحسن ابن عبد الجبار من فقهاء صقلية.